١٤

وقوله: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٤)

هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}: حيث أنزل في قذفكم عائشة بصفوان آيات في براءتهما حتى تبتم عن ذلك، وإلا لمسّكم العذاب في الآخرة بذلك.

والثاني: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} لمسكم العذاب، ولعاقبكم بما قلتم في عائشة في الدنيا؛ على هذا التأويل: العذاب الموعود: في الدنيا، وعلى التأويل الأول: الوعيد في الآخرة، لكن بفضله ورحمته دفع عنكم، واللّه أعلم.  

وقوله: {فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ}، أي: خضتم فيه.

وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله: {بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا}، أي: بأمثالهم خيرًا، تأويله: لولا ظن المؤمنون بأمثالهم خيرا دون أن يظنوا بهم شرا.

وفيما عظم اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - أمر القذف وشدد فيه ما لم يشدد في غيره ولم يعظم وجوه:

أحدها: قطع طمع أهل الفجور والريبة فيهن، لئلا يطمع أحد منهم في المحصنات وأولاد الكرام ذلك الفضل، فقطع طمعهم بما شدد فيه؛ لئلا يقرفن بذلك، ولا يطمع فيهن ذلك.

والثاني: بترك الناس الرغبة في مناكحة المحصنات وأولاد الكرام، ويرغبون فيمن دونهن، ويحدث أيضًا الضغائن والعداوة بين القذفة وبين المتصلين بالمقذوفات.

وقوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} لكان كذا: هذا من اللّه على الإيجاب، أي: قد كان منه ذلك، وإذا كان مضافًا إلى الخلق فهو على أنه لم يكن ذلك؛ ولذلك تأولوه: هلا.

وعن ابن عَبَّاسٍ أنه قال في قوله: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ}، يقول: قال للمؤمنين: {لَوْلَا}: هلا إذ بلغكم عن عائشة وصفوان {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا}، يقول: فظننتم بعائشة ظنكم بأنفسكم، وعلمتم أن أمكم لا تفعل ذلك، وكذلك المؤمنة لا تفعل ذلك، وقلتم: هذا إفك مبين.

{لَوْلَا}: هلا جاءوا عليه بأربعة شهداء على قولهم، ويصدقوهم على مقالتهم، فإذا لم يأتوا بالشهداء كذبتموهم؛ فأُولَئِكَ عند اللّه هم الكاذبون، وهو قريب مما ذكرنا فيما تقدم.

﴿ ١٤