٥

ثم أخبر أنهم {فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا}، أما قوله: {ظُلْمًا} لأنهم كذبوه، وقالوا: إنه مفترى من غير أن كان لهم أسباب الكذب والصدق، فهو ظلم؛ حيث وضعوا ذلك في غير موضعه. وأما قوله: {وَزُورًا} لأنهم قالوا: إنه مختلق، وإنه سحر، وإنه {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}، وإنه {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ}، وإنه (أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥) قد ظهر كذبهم بهذا فيما بينهم؛ لأنهم متى رأوه اختلف إلى واحد منهم يعلمه ذلك؟! أو متى رأوه كتب شيئًا قط أو يحسن الكتابة قط؟! وقولهم: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}؟!

فإذا عرف تلك الأنباء والأحاديث التي كانت من قبل -ولا شك أنها لم تكن بلسانه، وإنما كانت بلسان أُولَئِكَ- دل إخباره عما في كتبهم بلسانه أنما عرف ذلك باللّه تعالى.

وقوله: {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} وقال أهل التأويل: غدوًّا وعشيًّا، فلو كان على ذلك لكان يحضرونه في البكرة والعشي، فيسمعون ويشاهدون ما يملى عليه؛ إذ الوقت وقت الحضور، ولكن -عندنا- كأنهم أرادوا بالبكرة والعشيّ: أول الليل وآخره، الأوقات التي هي ليست بأوقات الحضور والجلوس، يقولون: يأتونه سرًّا فتملى عليه ويعلمه، فلو كان ذلك أيضًا لكانوا يراقبونه ويحافظونه سرًّا؛ ليعرفوا ذلك ويشاهدوه، فإذا لم يفعلوا ذلك دل أنهم كانوا يعرفون صدقه، وأنهم كذبة في زعمهم، لكنهم كابروه وعاندوه في ذلك.

﴿ ٥