١٦

وقوله: (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (١٦) يحتمل قوله: {وَعْدًا مَسْئُولًا} مما سألته لهم الملائكة؛ كقوله: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ. . .} الآية، وسؤال الرسل؛ كقوله: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ. .} الآية، أو وعدًا مسئولا مما سألوا ربهم، فوعد لهم ذلك؛ فهذا يدل أنهم إنما يدخلون الجنة بالسؤال والتشفع لهم والتضرع، لا أنهم يستوجبون ذلك بأعمالهم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ}: في السلاسل وذلك أنهم إذا ألقوا فيها تضايق عليهم كتضايق الزج في الرمح، فالأسفلون يرفعهم اللّهب، والأعلون يخفضهم اللّهب، فيزدحمون في تلك الأبواب الضيقة فضايق عليهم، فعند ذلك يدعون بالثبور؛ يقولون: يا ثبوراه ويا ويلاه.

وروي مثله عن عبد اللّه بن عمر، وكان يقول: إن جهنم لتضيق على الكافر كضيق الزج في الرمح.

وقوله: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} يقول: ويلا وهلاكا، قال اللّه تعالى: {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا}: ثم قيل: {أَذَلِكَ خَيْرٌ} يعني: الذي ذكر، {أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً} لأعمالهم، {وَمَصِيرًا} هو أي: منزلا.

قال أَبُو عَوْسَجَةَ: التغيظ: من الغيظ، والزفير: الشهيق يكون في الحلق، وشهق يشهق شهيقًا وشهقا، وهو نفس في الحلق شديد له صوت.

وقال: {ثُبُورًا} أي: إهلاكا، وصرفه: ثبر يثبر ثبرا وثبورا، فهو ثبور.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: {تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}، أي: تغيظًا عليهم؛ كذلك قال المفسرون.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: بل يسمعون فيها تغيظ المعذبين وزفيرهم واعتبروا ذلك بقول اللّه تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}، واعتبره الأولون بقوله: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} هذا أشبه التفسيرين إن شاء اللّه؛ لأنه قال: {سَمِعُوا لَهَا}، ولم يقل: سمعوا فيها، ولا منها.

وقال: {ثُبُورًا} أي: بالهلكة؛ كما يقول القائل: واهلاكاه، واللّه أعلم.

﴿ ١٦