١٩

وقوله: (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (١٩) أي: فقد كذبكم أُولَئِكَ، {بِمَا تَقُولُونَ}: أنهم أمرونا بذلك، وكانوا عندهم صدقة.

وقوله: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا}: هذا يحتمل وجوها:

أحدها: أي: ما يستطيع أُولَئِكَ الكفرة صرف قول من عبدوهم وتكذيبهم حين كذبوهم في قولهم.

{وَلَا نَصْرًا} أي: ولا استطاعوا الانتصار منهم حين كذبوهم؛ وعلى ذلك يخرج قراءة من قرأه بالتاء: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا}.

والثاني: يحتمل: (فما يستطعون) أُولَئِكَ المعبودون صرف عذاب اللّه ونقمته عنكم، ولا كانوا لهم نصراء؛ لأنهم قالوا: {هَؤلَآءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّه}، و {مَا نعبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللّه زُلْفَى}.

والثالث: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا} أي: فداء، {وَلَا نَصْرًا} أي: لا يقبل منهم الفداء، ولا كان لهم ناصر ينصرهم في دفع العذاب عنهم؛ كقوله: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ}.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ وأَبُو عَوْسَجَةَ:

قَالَ بَعْضُهُمْ: الصرف: النافلة، سميت صرفًا لأنها زيادة على الواجب، والعدل: الفريضة. وقد روي في الخبر: " من طلب صرف الحديث ليبتغي به إقبال وجوه الناس، لم يرح رائحة الجنة " أي: من طلب تحسينه بالزيادة فيه.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: الصرف: الدية، والعدل: رجل مثله؛ كأنه يريد: لا يقبل منه أن يفتدي برجل مثله وعدله، ولا يصرف عن نفسه بديته، ومنه قيل: صارفي، وصرف الدرهم بالدنانير؛ لأنك تصرف هذا إلى هذا، وأصله ما ذكرنا.

قَالَ الْقُتَبِيُّ وأبو عبيدة: {قَوْمًا بُورًا}، أي: هلكى، وهو من بار يبور؛ إذا هلك وبطل؛ يقال: بار الطعام، إذا كسد، وبارت الأيم؛ إذا لم يرغب فيها، وفي الخبر: " كان رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يتعوذ من بوار الأيم ".

قال أبو عبيدة: يقال: رجل بور وقوم بور لا يثنى ولا يجمع.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: {قَوْمًا بُورًا}: لا خير فيهم، ورجل بائر؛ وكذلك قال ابن زيد: بورا أي: ليس فيهم من الخير شيء.

وقال قتادة: بورا: فاسدين، بلغة أهل عمان،

وقال: " ما نسي قوم ذكر اللّه قط إلا باروا وفسدوا ".

وقوله: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}: أما على قول بعض الخوارج: كل ظلم ارتكبه فهو في ذلك الوعيد على أصل مذهبهم.

وعلى قول المعتزلة: كل صاحب كبيرة في ذلك الوعيد.

وأما على قول المسلمين: فذلك الوعيد لمرتكبي الظلم: ظلم كفر وشرك، وأمَّا ما دون ذلك فهو في مشيئة اللّه: إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه.

﴿ ١٩