٩

وقوله: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّه لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) هو يخرج على الوجوه التي ذكرنا في قوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ}.

وقوله: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} يذكر أهل مكة ويوبخهم في تكذيبهم رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وسوء معاملتهم إياه بما ذكر من القرون الماضيهَ أنهم مع شدتهم، وقوتهم، وبطشهم، وكثرة أتباعهم وحواشيهم وأموالهم، وطول أعمارهم وبنيانهم - لم يتهيأ لهم الانتصار والامتناع عن عذاب اللّه إذا حل بهم بتكذيبهم الرسل؛ فأنتم يا أهل مكة دونهم في القسوة والبطش والحواشي والأتباع، فكيف يتهيأ لكم الانتصار والامتناع من عذاب اللّه إذا كذبتم الرسول، واللّه أعلم.

وقوله: {فَمَا كَانَ اللّه لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} وجائز أن يكون على التقديم والتأخير، {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى} مقدمًا على قوله: {فَمَا كَانَ اللّه لِيَظْلِمَهُمْ} يقول: ما حل بهم من العذاب وعذبوا في هذه الدنيا بتكذيبهم، لم يظلمهم اللّه، ولكن ظلموا أنفسهم بما أساءوا.

ويحتمل أن يكون قوله: {فَمَا كَانَ اللّه لِيَظْلِمَهُمْ} في تعذيبهم في الدنيا {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ثم يكون قوله: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى} في الدنيا {السُّوأَى} في الآخرة في النار، فيكون في الدنيا ما عذبوا في الدنيا عذاب عناد ومكابرة، وما يعذبون في الآخرة تعذيب كفر وتكذيب، وهو ما قال: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللّه}.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: {وَأَثَارُوا الْأَرْضَ} أي: كربوا الأرض وعمروها أكثر مما عمرها

قومك يا مُحَمَّد؛ أي: بقوا فيها أكثر مما بقي فيها الذين أرسلت إليهم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: عاشوا يعمرون الأرض أكثر مما عمرها أهل مكة.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: عمروها: عملوا بها أكثر مما عمل هَؤُلَاءِ.

وبعضه قريب من بعض.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: {وَأَثَارُوا الْأَرْضَ} أي: حرثوها.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: أثاروا: أي: قلبوها للزراعة، ويقال للبقرة: المثيرة، وقال اللّه - تعالى -: {لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ}.

وقوله: {أَسَاءُوا السُّوأَى} أي: جهنم. وكذلك قال الكسائي: {السُّوأَى}: هي النار؛ كقوله: {وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} أي: كان عاقبتهم النار بما كذبوا بآيات اللّه واستهزءوا بها.

﴿ ٩