١٢وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}. قَالَ بَعْضُهُمْ: الحكمة هي الإصابة في القول والفعل من غير نبوة. وقَالَ بَعْضُهُمْ: أعطي الفهم واللب، وقيل: الفهم والفقه في الدِّين، وقيل: العلم؛ كأنه يقول: أعطيناه العلم والفهم بالكتب المتقدمة. والفقه: هو معرفة الشيء بنظيره الدال على غيره، أو معرفة ما غاب بما شهد، أو معرفة الخفي الباطن. بالظاهر، ونحوه. والفلاسفة يقولون: الحكمة هي المعرفة مع العمل، والحكيم: هو الذي له المعرفة والعلم والعمل جميعًا؛ فحينئذ يسمى: حكيمًا. وقوله: {أَنِ اشْكُرْ للّه}. كأنه قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} يحتمل الوجوه التي ذكرنا - وقلنا له: أن اشكر للّه فيما أعطاك من الحكمة، وغير ذلك من النعمة، وهذا يدل أن للّه فيما يكتسب المؤمن الحكمة والعلم صنعًا؛ إذ لو لم يكن له ألما كان، لقوله: {آتَيْنَا} معنى؛ إذ هو للعبد وكسبه ألا ترى أنه أمره أن يشكر له على ذلك، ولو لم يكن له صنع في ذلك لكان لا يأمره بالشكر له على ما لا صنع له فيه؛ إذ يخرج ذلك مخرج طلب الحمد والشكر على ما لم يفعل، وقد ذم من أحب أن يحمد بما لم يفعل؛ فلا يحتمل أن يأمر هو بالحمد والشكر على ما لم يفعل ولا صنع له في ذلك؛ دل أن له فيه صنعًا، وهو ينقض على المعتزلة في قولهم: أن ليس للّه في فعل العبد صنع، واللّه أعلم. وقوله: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}. هذا يدل أن ما يأمر عباده وينهاهم، وفيما امتحنهم إنما يمتحنهم ويأمرهم وينهاهم؛ لمنافع أنفسهم وحاجتهم، لا لمنفعة نفسه أو لحاجته؛ حيث قال: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}؛ حيث يتم تلك النعمة ويديمها له؛ فهو بالشكر ينفع نفسه. ومن كفر فإنما ضرر كفره يلحقه دون اللّه؛ ألا ترى أنه قال: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّه غَنِيٌّ حَمِيدٌ} أي: غني عن شكره وحمده، حميد وإن لم يحمده أحد من خلقه؛ لأنه غني بذاته، حميد بصنائعه وآلائه وإن لم يحمد هو ولم يشكر على ذلك، لا ينفعه شكر أحد ولا حمده، ولا يضره كفران أحد ولا ترك الشكر له والحمد، وباللّه الحول والقوة. |
﴿ ١٢ ﴾