٨

وقوله: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللّه يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللّه عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٨)

ليس لهذا الحرف في ذا الموضع جواب، فجائز أن يكون جوابه في قوله: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} على التقديم له، كألْه يقول - واللّه أعلم -: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}، {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}، فإن اللّه يضل من يشاء ويهدي من يشاء.

أو أن يكون قوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} فلزمه كمن قبح له؛ فانتهى عنه، ليسا بسواء، كقوله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ}، ذكر أن قوله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} نزل في عمر بن الخطاب،

وقوله: {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} في أبي جهل؛ فعلى ذلك الأول، وأن يكون ما ذكر بدءًا على التقديم والتأخير.

وقوله: {فَإِنَّ اللّه يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}: من الضلالة إلى الهدى، يضل من

علم منه أنه يختار الضلال، ويهدي من علم منه أنه يختار الهدى.

وقوله: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}.

هذا يحتمل وجوهًا:

أحدها: قوله: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} أي: لا تضل ولا تذهب نفسك عليهم حسرات؛ إشفاقًا على ما ينزل بهم بتركهم الإيمان؛ لأن رسول اللّه كاد أن يهلك نفسه إشفاقًا عليهم فنهاه عن ذلك.

والثاني: على تخفيف الحزن عليه ودفعه عنه وتسليته إياه؛ لأنه يشتد به الحزن، لمكان كفرهم وتكذيبهم إياه وتركهم الإيمان به ليس على النهي؛ كقوله: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ}، وقد ذكرنا معناه فيما تقدم مقدار ما حفظنا فيه، واللّه أعلم.

وقوله: {إِنَّ اللّه عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.

هذا يخرج على وجهين:

أحدهما: أن اللّه تعالى على علم بصنيعهم أنشأهم، لا عن جهل بما يكون منهم.

والثاني: عليم بما يصنعون؛ فلا تكافئهم ولا تشغلن بشيء مما يكون منهم، ولكن فوض ذلك إلى اللّه وأسلم إليه.

﴿ ٨