٣

وعن معاذ بن جبل وكعب - رضي اللّه عنهما - قالا: (يس) قسم أقسم اللّه به يا مُحَمَّد، (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) دل أن الخطاب به على أثر قوله: (يس)

على أنه هو المراد بقوله: (يس)؛ إذ لا يستقيم الخطاب بقوله: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} إلا على سبق خطاب له وذكر اسمه.

وقال عكرمة: هو حرف من الهجاء الذي افتتح به السور كسائر حروف الهجاء.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو من حروف الهجاء التي أقسم اللّه بها، بما يتلو تلك الحروف من القرآن والآيات والكتاب؛ إذ من عادة العرب القسم بكل ما عظم خطره وجل قدره.

فَإِنْ قِيلَ: كيف أقسم بالقرآن وهم كانوا ينكرون القرآن أنه من عند اللّه؟!

قيل: إنهم وإن كانوا ينكرونه، فقد عظم قدره وجل خطره عندهم بما عجزوا عن إتمِان مثله بعد قرع أسماعهم بقوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ. . .} الآية، ونحوه.

والثاني: أقسم به وإن كانوا ينكرونه؛ لما أن قسمه به يحملهم على السؤال عنه؛ إذ كانوا لا يقسمون إلا بما عظم قدره وجل خطره، يقولون: ما هذا القرآن الذي أقسم ربنا به؛ ألا ترى أنه قال: {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}، فكأنه على سؤال خرج على هذا أنه {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}، وأن يكون القسم به وبغيره من الأشياء التي عظم خطرها عندهم، على إضمار القسم برب هذه الأشياء وبإلاهها؛ هذا على قول من يقول بأن القسم باللّه حقيقة لا بتلك الأشياء - مستقيم، وعلى قول من يجعل القسم بها لا على الإضمار هو ما ذكرنا.

وقوله: {الْحَكِيمِ}.

أي: الْمُحْكَم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه على ما وصف.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: المحكم بالحلال والحرام، والوعد والوعيد، من غير أن يكون فيه اختلاف.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: الحكيم؛ لأن من تمسك به وعمل بما فيه يصير حكيمًا.

وقوله: (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)

ولم يقل: إنك لرسول اللّه، وكلاهما سواء، غير أن قوله: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} الذين آمنوا بهم من قبل وصدقوا بهم ففيه زيادة، ليس ذلك في قوله: (إنك لرسول)، واللّه أعلم.

﴿ ٣