١٤

وقوله: (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) أي: قوينا بثالث، اختلف فيه:

قَالَ بَعْضُهُمْ: إن عيسى ابن مريم كان بعث إليهم أولا رسولا فأتاهم، فدعاهم إلى التوحيد، وأقام على ذلك حججًا وبراهين، فكذبوه وقالوا: ما نعرف ما تقول، ثم بعث من بعده رسولين فقال لهما ذلك الرسول: إنهم سيكذبونكما كما كذبوني قبلكما وسيقولون لكما إذا دعوتماهم إلى التوحيد: ماذا تحسنان؛ فإذا قلتما: نبرئ الأكمه والأبرص، قالوا: فينا من يحسن ذلك، فإن قلتما: نشفي المريض، قالوا: فينا من يحسن ذلك ونحوه، ولكن قولا أنتما: نحيي الموتى، وأنا أقول لهم: إني لا أحسن أنا؛ فهو قوله: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي: قوينا وشددنا بثالث، ففعلوا ذلك فقالوا عند ذلك: قد تواشيتم علينا بهذا الكلام، أو تواطأتم، أو كلام نحوه، فأخذوا وعذبوا وأهلكوا؛ وهو قول ابن عباس، رضي، اللّه عنه.

ومنهم من يقول: بعث أولا رسولان فكذبوهما، فبعث ثالث بعد ذلك {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ}، أي: عززنا الرسولين بثالث، أي: قويناهما.

وقرأ بعضهم: {عَزَزْنا} بالتخفيف، أي: غلبنا.

لكن ذكر أنهم قتلوا جميعًا وأهلكوا - أعني: الرسل - فكيف يكون الغالب مقتولا مهلكًا؟!

ويجوز أن يكون المقتول مقويا؛ دل أن قراءة من يقرأ بالتخفيف ضعيف والأول أقوى وأقرب، واللّه أعلم.

وقوله: (فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤)

﴿ ١٤