٣٨ثم قوله: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ... (٣٨) وفي بعض الحروت: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} فعلى هذا القول أي: تجري أبدًا لا مستقر لها ولا قرار. ومن قرأ: {تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}: أي: لنهاية لها وغاية. ثم اختلف في تلك النهاية: فمنهم من يقول: نهايتها وغايتها هو ذهاب هذا العالم وانقضاؤه وتبديل عالم آخر؛ كقوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، وقوله: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}، قدر نهايتها، ومنهم من يقول: مستقرها: هو نزولها في كل يوم في منزل، لما ذكر أن لها منزلا، تنزل كل يوم في منزل، ثم تطلع من مكان آخر؛ وكذلك قال: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ}. ومنهم من يقول: نهايتها ما ذكر في الخبر: " أنها إذا غربت ترفع إلى السماء السابعة، تخر للّه - تعالى - ساجدة تحت العرش، ثم يؤذن لها بالطلوع "؛ ذكر في الخبر عن نبي اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " لما أذن لها بالطلوع والارتفاع يأتيها جبريل بحلة من ضوء الشمس، على مقدار ساعات من النهار في طوله في الصيف وقصره في الشتاء، وما بين ذلك في الخريف والربيع، فتلبس تلك الحلة، كما يلبس أحدكم ثوبه "، وذكر في القمر كذلك من الحبس والسجود للّه، إلا أنه ذكر فيه: " أن جبريل يأتيه بحلة من نور العرش "، وفي بعض الأخبار: " بكف من ضوء العرش، وبكف من نوره "، فيلبس تلك الحلة - أي: ذلك النور والضوء - كما يلبس أحدكم ثوبه، فذلك قوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا}، ذكر للشمس ضياء، وللقمر نورًا كما ذكر في الخبر. وقَالَ بَعْضُهُمْ: {لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}: جريانها في البحر الذي خلق اللّه دون السماء بحر مكفوف حار، فيه تجري الشمس والقمر، والجوار الكنس. ويحتمل قوله: {تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَ} أي: تجري في مكان وتسير فيه، واللّه أعلم. . وقوله: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. {الْعَزِيزِ}: الذي لا يعجزه شيء، ويعز من أن يغلبه شيء، {الْعَلِيمِ}: الذي يعز من أن يخفى عليه شيء. وقَالَ بَعْضُهُمْ: {الْعَزِيزِ}: الذي أظهر أثر الذل في غيره، لا ترى أحدًا إلا وأثر الذل والحاجة فيه ظاهرة. وأما دلالة الرسالة: فإن أهل مكة لم يكونوا يعرفون التوحيد، وعرفهم وأتاهم بحججه وبراهينه؛ دل أنه باللّه عرف ذلك، واللّه أعلم. |
﴿ ٣٨ ﴾