٤٢ثم إن كان المراد بقوله: (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (٤٢) السفن، كان في ذلك نقض قول المعتزلة في قولهم: أفعال العباد ليست بمخلوقة؛ حيث أخبر أنه خلق السفن، والسفن إنما سميت سفنًا بعد ما اتخذت ونحتت، فأما قبل ذلك، فهي تسمى: خشبًا، واللّه أعلم. ثم قوله: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ}. يحتمل قوله: {حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} معنيين: أحدهما: أنا حملنا مَنْ أَنْتُم مِنْ ذريتِهم في الفلك المشحون، وهم الذين حملهم مع نوح في سفينته. والثاني: أنا حملنا ذرية قومك في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم في الفلك، نسبهم إليهم لما أنهم أصل لهَؤُلَاءِ؛ كقوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}، وإنَّمَا نسبنا إلى آدم؛ لأنه أصلنا وهو المخلوق من التراب فعلى ذلك هذا، لكن الفائدة في التأويل الأول غير الفائدة في التأويل الثاني إن كان المراد بقوله: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا} من أنتم من ذريتهم هذا، ففائدته: أنكم من ذرية من نجا منهم من آبائكم، وهم الذين آمنوا برسولهم وصدقوه، لا من كذب به، فكيف لا اتبعتموهم؟! لأن العرب من عادتهم لا يزالون محتجين: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}. وإن كان المراد المعنى الثاني فيقول: إن في آبائكم من قد صدق الرسل، وآمن بهم، ومنهم من كذبهم، فكيف اتبعتم الذين كذبوهم دون الذين صدقوهم؟! ثم جهة الآية في الفلك ما ذكرنا فيما تقدم في غير موضع: إما في تذكير ما أنعم عليهم حيث سخر لهم ما في البحار والبراري حتى يصلوا إلى قضاء حوائجهم ومنافعهم في الأمكنة النائية البعيدة بالسفن التي أنشأها لهم والأنعام التي خلقها لهم. أو يخبر عن قدرته وسلطانه: أن من قدر على تسخير هذا وإيصال هذا بهذا، لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه شيء. أو يخبر عن وحدانيته وربوبيته؛ إذ لو كان ذلك فعل عدد لامتنع ولم يتصل، ولم يصلوا إلى قضاء حوائجهم. |
﴿ ٤٢ ﴾