٣

قَالَ بَعْضُهُمْ: القسم في قوله: (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣) قيل: في قوله: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} بوجهين:

أحدهما: أن هذا في كل كافر ومشرك ينادي عند موته وهلاكه، ويسأل ربه الرجوع والعود إلى الدنيا ليؤمن؛ كقوله: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا. . .)، {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} الآية، ونحوه، لكن لم ينفع ذلك النداء والغوث والسؤال التأخير على ما أخبر أنه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.

ومنهم من يقول: هذا في الجملة في الأمم التي أهلكت من قبل واستؤصلت بالتكذيب والعناد، كانوا ينادون عند نزول ذلك بهم ووقوعه عليهم، ويسألون الغوث ويظهرون الإيمان؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللّه وَحْدَهُ}، لكن لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت على ما أخبر اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - لأنه إيمان دفع العذاب واضطرار لا إيمان اختيار، يخوف بهذا أهل مكة أن ينزل بهم ما نزل بأُولَئِكَ ويندمون على

صنيعهم كما ندم أُولَئِكَ، واللّه أعلم.

ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} وهو في الأصل (ولاه)، فإذا وصل بـ (حين) صارت (ولات) كأنه يمين، أي: واللّه، وهو قول الكسائي.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو (ولا) وليس هنالك تاء وإنما التاء في (حين)، أي: (تحين)، وربما يزاد التاء في (حين) و (لا).

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (ولات) بالتاء، وقد قرئ بالتاء والوقف عليها.

وقوله: {حِينَ مَنَاصٍ} ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - يقول: " ليس بحين تزور ولا فرار ".

وقَالَ بَعْضُهُمْ: ليس بحين مغاث.

وقيل: ليس بحين جزع، واللّه أعلم.

﴿ ٣