٤

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: [(وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ (٤)]

يحتمل هذا وجهين:

أحدهما: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} أي: من بشر مثلهم؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}، وقولهم: {أَبَعَثَ اللّه بَشَرًا رَسُولًا}، كانوا ينكرون الرسالة في البشر ويقولون: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ}.

والثاني: [{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ}] أي: من دونهم في أمر الدنيا، لما رأوا أنفسهم قد فضلوا في أمر الدنيا دونه، فقالوا: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا}، وقالوا: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}، لم يروا من دونهم في أمر الدنيا أهلًا لذلك على ما ذكر، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}.

دل هذا القول منهم: أنه قد كان من رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه معجزة أتى بها حتى قالوا: {سَاحِرٌ كَذَّابٌ}، علموا أنه رسول اللّه، لكنهم عاندوا وأرادوا بقولهم: {سَاحِرٌ كَذَّابٌ} وأن [يغروا] أتباعهم عليه، كما [أغرى] فرعون قومه على موسى - عليه السلام - حيث قال: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ}، وهو - عليه السلام - لم يرد أن

﴿ ٤