٤

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوْ أَرَادَ اللّه أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللّه الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٤)

ظاهر هذا أن إيجاد الولد له من المحتمل والممكن ليس من الممتنع، وكذلك ظاهر قوله: {لَوْ أَرَادَ اللّه أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا}، ظاهر هذا الذي ذكر هو من المحتمل والممكن وكان من الممتنع أيضًا؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا)، دلت هذه الآيات على أن إيجاد الولد من الممتنع والعظيم في العقول والقلوب جميعًا.

ثم قوله: {لَوْ أَرَادَ اللّه أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}.

أي: لو جاز أو احتمل إيجاد الولد على ما تقولون أنتم وتتوهمون، لاصطفى واختار مما يشاء، هو ما شاء، ليس على ما تختارون أنتم له وتشاءون: أن الملائكة بنات اللّه على ما تزعمون؛ لأن العرف في الخلق أن من اتخذ لنفسه شيئًا إنما يتخذ من أعز الأشياء وأرفعها وأعظمها قدرًا عندهم، لا من أخس الأشياء وأذلها؛ وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ}، أي: إلى آلهتهم التي اتخذ أُولَئِكَ آلهة في الحقيقة، ولكن سماها بالذي عندهم، وكذلك قول موسى - عليه السلام -: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا}، أي: انظر إلى الذي اتخذته إلها سماه على ما هو عنده؛ فعلى ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَوْ أَرَادَ اللّه} على ما في ظنونكم وتوهمكم أنه اتخذ الولد لاختار مما ذكر لا مما تقولون أنتم، لو احتمل ذلك على ما في ظنكم وحسبانكم لكان مما ذكر.

والثاني: مبنى الاتخاذ راجع إلى البنين إذ كانت الكفرة ينسبون الملائكة إلى أنهم بناته؛ لما عرفوا من كرامتهم على اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - وقربتهم عنده، وينسبونه إلى أنهم بناته، وإِلَى أن عيسى ابنه، وإنما يتخذ الأولاد ويتبنى ليستنصروا بهم، فبرأ اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - نفسه على احتمال الشكل وخوف الغلبة، فقال: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللّه الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}.

وفي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} دفع ما قالوا فيه وإحالة ذلك؛ لما أخبر أنه واحد في الذات، ولو كان كما ذكر هَؤُلَاءِ من الولد، لم يكن واحدًا في الذات؛ إذ كل محتمل الولد منه هو من شكل الولد، فإذا عرفهم أنه واحد في الذات لم يحتمل الولد وما ذكروا.

وفي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {الْقَهَّارُ} دلالة إحالة ذلك؛ لأنه أخبر أنه قهار، والولد في الشاهد إنما يتخذ لأحد وجوه:

إما لوحشة أصابته فيستأنس به.

وإمَّا لحاجة تمسه فيدفع بالولد ذلك.

وإمَّا لغلبة شهوة فيقضيها فيتولد من ذلك الولد.

وإمَّا لوراثة ملكه بعد موته، وهو دائم باق لا يزول ملكه أبدًا.

وإمَّا للاستعانة والنصرة على أعدائه.

لأحد هذه الوجوه التي ذكرنا يحتاج المرء إلى اتخاذ الولد، واللّه قادر بذاته قاهر غني لا يحتمل ما ذكروا، واللّه أعلم.

﴿ ٤