٧

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللّه غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٧)

روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - أنه قال: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللّه غَنِيٌّ عَنْكُمْ} أي: تكفرون دين اللّه الإسلام ولم تسلموا فإنه لا يقبل منكم، {وَإِنْ تَشْكُرُوا} أي: وإن تسلموا

{يَرْضَهُ لَكُمْ} أي: يقبل منكم؛ كقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}.

وقال غيره: أي: إن تكفروا دينه فإن اللّه غني عن عبادتكم، {وَإِنْ تَشْكُرُوا}، أي: توحدوه {يَرْضَهُ لَكُمْ} من الأول.

وجائز أن يكون قوله: {إِنْ تَكْفُرُوا} النعم التي عدها عليكم فيما تقدم ذكرها من قوله: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ}،

وقوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ. . .} إلى آخر ما ذكر من النعم يقول: إن تكفروا هذه النعم التي عدها عليكم فإنه غني عنكم، وإن تشكروا ما عد عليكم من النعم يقبل ذلك منكم، واللّه أعلم.

وأصله أن اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - بين سبيل الهدى ورغبهم إليه، وبين سبيل الضلال وحذرهم عنه، ثم بين أن من سلك سبيل الهدى فله كذا ومن سلك سبيل الضلال فله كذا، وأفضى إلى كذا.

أو أن يقول: إن من سلك سبيل الهدى يرضى لنفسه عاقبة السبيل الذي سلك فيه؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ. لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ}، ومن سلك سبيل الضلال والكفر يمقت ذلك السبيل في العاقبة؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللّه أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، أخبر أنهم يمقتون أنفسهم إذا نودوا وعرفوا أنهم أخطأوا الطريق، وباللّه العصمة.

وذكر في حرف عبد اللّه بن مسعود: (واللّه يكره لعباده الكفر)،

وقوله: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}، وكذلك ذكر هذا في حرف أبي وحفصة خاصة.

وأصل قوله: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللّه غَنِيٌّ} إخبار أنه لم يأمركم بما أمركم به ولا نهاكم عما نهاكم عنه لحاجة نفسه أو لمنفعة له في ذلك، ولكن إنما امتحنكم بما امتحنكم لحاجة أنفسكم ولمنفعتكم ولدفع الضرر عنكم؛ وكذلك ما أنشأ من الأشياء لم ينشئها لحاجة نفسه ولا لمنفعة له، ولكن إنما أنشأها لكم ولمنافعكم.

وكذلك نقول: لم ينشئها لأنفسها حتى إذا أتلف شيئًا منها عوضها بدلها على ما تقول المعتزلة أن ليس للّه أن يتلفها إلا أن يعوضها عوضًا بإزاء ذلك، ولكن إنما أنشأها لكم لليسر ولهم يعزر من أتلف شيئًا منها، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.

ذكر هذا - واللّه أعلم - جوابًا لقولهم حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ. . .} الآية، أخبر أن لا أحد يحمل وزر آخر، ولكن يحمل وزر نفسه.

والثاني: يخبر أن أمر الآخرة على خلاف أمر الدنيا؛ لأن في الدنيا قد يحمل بعض آثام بعض وأوزار بعض، فأما في الآخرة فإنه لا يحمل أحد وزر آخر ولا آثامه، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ. . .} الآية.

خص البعث بالرجوع إليه مرة وبالمصير ثانيًا والبروز له، ونحو ذلك، وإن كانوا في جميع الأحوال راجعين إليه صائرين؛ لأن المقصود من إنشائهم في هذه الدنيا ذلك البعث، فخص لذلك رجوعًا إليه، واللّه أعلم.

وقوله: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.

قال أهل التأويل: إنه عليم بما في الصدور، وعندنا عليم بكل ما يصدر من الخير والشر، وذكر {بِذَاتِ الصُّدُورِ}؛ لأن أصحاب الصدور هم يصدرون ويظنون في صدورهم.

﴿ ٧