٨

وقوله: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ}.

أخبر اللّه الخلق ما كان من عادة الكفرة في غير آي من القرآن أنهم كانوا يخلصون الدِّين للّه ويتضرعون إليه إذا مسهم بلاء أو شدة، إذا ركبوا البحر، وكان لهم خوف الهلاك في ذلك وفزع؛ كقوله - تعالى -: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. . .} والآية، وغير ذلك من الآيات، وكذلك كل بلاء وشدة أصابتهم، فزعوا إلى اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - وتضرعوا إليه، ثم إذا كشف الضر عادوا إلى ما كانوا من قبل.

وقوله: {نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ} يحتمل قوله: {نَسِيَ} ألا تملك الأصنام التي عبدوها دفع ذلك عنهم ولا كشفه.

أو نسي ألا ينفع لثمفاعتهم إياهم ونحوه؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}، أي: نسوا ما علموا من عجز الأصنام ونحوه.

وقوله: {وَجَعَلَ للّه أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ}.

كأن الآية في الرؤساء منهم جعلوا أندادًا ليضل الناس عن سبيله، يدل على ذلك: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} في الدنيا {إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}، لما علم أنه يختم على الكفر، واللّه

أعلم.

ثم الحكمة في ذكر هذا وأمثاله لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يحتمل وجوهًا:

أحدها: يصبر رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على سوء معاملتهم إياه، كما حكى عن سوء معاملتهم ولم يستأصلهم على أثر ذلك وذلك أعظم في العقل.

أو يخبر الأواخر عن سوء معاملتهم ربهم ليحذروا عن مثل معاملتهم ربهم.

أو يخبر عن حلمه أن كيف عاملهم فاحلم أنت، واللّه أعلم.

وقرئ: {لِيُضِلَّ} و {لِيَضِلَّ} فيه ثلاث لغات.

﴿ ٨