٩وقوله: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (٩) قَالَ بَعْضُهُمْ: هذه الآية صلة ما تقدم من قوله: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ للّه أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} يقول: الذي تضرع إلى اللّه، وأخلص دينه له، نسي ذلك وتركه إذا خول ذلك نعمة، وجعل للّه أندادًا ليضل عن سبيله - كالذي هو قانت - أي: مطيع للّه - آناء الليل والنهار يحذر عذابه ويرجو رحمته، ليسا بسواء عندكم: الذي أطاع اللّه في جميع أوقاته حاذر تقصيره في ذلك راجٍ رحمته لطاعته، والذي عصى ربه ولم يطعه، فإذا عرفتم أنهما ليسا بسواء ثم رأيتم أنهما قد استويا في نعم هذه الدار وسعتها وشدائدها وفي الحكمة التفريق بينهما، فلابد من دار أخرى يفرق بينهما فيها يثاب المحسن المطيع جزاء إحسانه وطاعته، ويعاقب الكافر الظالم جزاء كفره وظلمه، واللّه أعلم. ومنهم من يجعل لهذه الآية مقابل لكنه يقول: مقابلها ليس الأول، ولكن لم يذكر لها مقابل ويقول على ما عرفتم أنه لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، فعلى ذلك لا يستوي الذي أطاع ربه آناء الليل وأجهد نفسه في عبادة اللّه والذي عصى ربه وكفر فعمه، وقد ظهر الاستواء بينهما في هذه الدنيا فلابد من التفريق بينهما في دار أخرى، ولو لم يكن دار أخرى فيها يفرق ويميز، لكان خلق هذا العالم على ما كان باطلا سفها غير حكمة، واللّه أعلم. وقوله: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ}. أي: يحذر عذاب الآخرة، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود أنه قرأه: (يحذر عذاب الآخرة). وقوله: {وَيَرْجُو رَحْمَةَ} دلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الرجاء والحذر يرجو رحمته لا عمله ويحذر عذابه لتفصيره في عمله. ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون أمنا، وقد قال اللّه - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّه إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، والخوف إذا جاوز حده يكون إياسا، وقد قال اللّه - تعالى -: {لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّه إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، ويجب أن يكون المؤمن كما ذكر - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}، و {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}، لا يجاوز أحدهما. وجائز أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}، أي: جنته على ما سمى الجنة: رحمة في غير موضع؛ لما برحمته تنال هي، واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ}. في معرفة نعم اللّه والقيام بشكره، والحذر عن عصيانه وعذابه. وقوله: {وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}. في كل ذلك، جوابه أن يقال: لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّمَا يَخْشَى اللّه مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}. وقوله: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}. إنما يتذكر بمواعظ اللّه أولو العقول والبصر والمعرفة، واللّه أعلم. وقوله: {آنَاءَ اللَّيْلِ} أي: ساعات الليل، و {قَانِتٌ} أي: مطيع، وأصل القنوت هو الطاعة، وقيل: القنوت: القيام، وهو القيام في الطاعة، واللّه أعلم. وفي قوله: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} دلالة جواز الإرجاء؛ لأنه لم يقطع على أحدهما دون الآخر؛ وكذلك في قوله تعالى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}، وفي قوله: {رَغَبًا وَرَهَبًا}، وفي القطع على أحدهما كفر على ما ذكرنا من قوله: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّه}، و {لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّه إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}؛ إذ المجاوزة في الخوف إياس، والمجاوزة في حد الرجاء أمن وقد ذكرنا أنه كفر. |
﴿ ٩ ﴾