٣٩وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) هذا يحتمل وجهين: أحدهما: على الإياس منهم أنهم لا يؤمنون ولا يجيبون إلى ما دعوا إليه بعد ما أقيم عليهم الحجج والبراهين؛ كأنه يقول: اثبتوا أنتم على دينكم واعملوا له، ونثبت نحن على ديننا ونعمل له، فسوف تعلمون أينا على الحق نحن أو أنتم؟ وهو كقوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، أي: لا أدين أنا بدينكم، ولا أنتم تدينون بديننا، ولكن يلزم كل منا دينه الذي عليه، فعلى ذلك الأول. والثاني: على التوبيخ لهم والتعيير؛ يقول: اعملوا على مكانتكم أنتم مما تقدرون من الكيد لي والمكر، وأنا عامل ذلك بمكانتكم؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ}، وغير ذلك من الآيات التي فيها ذكر توبيخهم وتعييرهم، واللّه أعلم. وفي هذه الآية وفيما تقدم من قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَلَيْسَ اللّه بِكَافٍ عَبْدَهُ} إلى هذا الموضع تقرير وتوبيخ ومنابذة وإياس، فأما الإياس فهو في قوله: {يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} والتقرير في قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّه} والمنابذة في قوله: {حَسْبِيَ اللّه عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}، والتوبيخ في قوله: {أَلَيْسَ اللّه بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}. ثم جائز أن يكون قوله: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ. وَمَنْ يَهْدِ اللّه فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} يخرج على الصلة بقوله: {أَلَيْسَ اللّه بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} كأنه يقول: من أضله اللّه حتى لا يعلم أن اللّه هو كاف عبده، وأن ما يخوفونه به لا يقع به خوف ولا يلحق به ضرر - فلا هادي له، ومن هداه فعرف ذلك، فلا مضل له عن ذلك، واللّه أعلم بذلك. |
﴿ ٣٩ ﴾