٦

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦)

هذا الحرف يخرج على وجهين:

أحدهما: كأنه يقول لهم: إنما أنا بشر مثلكم أفهم وأعقل يُوحَى إِلَيَّ وأسمع ذلك، فأنتم في قولكم: إن قلوبنا في أكنة وفي آذاننا وقر - لا عذر لكم في ذلك؛ لأنه إنما يحجبكم عن ذلك ويغطي قلوبكم عن فهم ذلك الكفرُ الذي أنتم عليه والضلال الذي أنتم فيه، فاتركوا ذلك حتى تفهموا وتعقلوا ما تدعون إليه وتؤمرون به، كما أفهم أنا وأعقل إذ أنا بشر، واللّه أعلم.

والثاني: يقول: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}، أي: إنما أنا بشر مثلكم أمرت أن أبلغ إليكم أن إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه، وإلا لو لم أؤمر بتبليغ الرسالة إليكم إنما إلهكم إله واحد - لكنت أترككم وما أنتم عليه؛ لقولكم: إن قلوبنا في أكنة وفي آذاننا وقر فاعمل إننا عاملون. على هذين الوجهين تأويل الآية، واللّه أعلم.

وقوله: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ}.

قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: فاستقيموا إليه بالطاعة.

وقيل: أي: استقيموا إلى ما دعاكم إليه من التوحيد.

وقوله: {وَاسْتَغْفِرُوهُ}.

أي: انتهوا عما أنتم عليه من الكفر والضلال؛ ليغفر لكم ما كان منكم في حال الكفر؛ كقوله تعالى: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}.

ويحتمل: أي: كونوا على حال بحيث يقبل استغفاركم وطلب تجاوزكم.

وقوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ}.

والإشكال: أنه لماذا خص المشرك الذي لم يؤتِ الزكاة، وينكر الآخرة -بالويل، وقد

يلحق الويل للمشرك آتى الزكاة أو لم يؤت، آمن بالآخرة أو كفر بها- فنقول: قال بعض أهل التأويل: معناه: وويل للمشركين الذين لا يؤمنون بإيتاء الزكاة، ولا يؤمنون بالآخرة، وخصهم بذكر جحود الزكاة والآخرة؛ لما كان سبب كفرهم مختلفًا: منهم من كان سبب كفره بخله في المال وشحه، حمله ذلك على إنكار الزكاة والامتناع عن الإيتاء، ومنهم من كان كفره إنكاره جزاء الأعمال، حمله ذلك على إنكار الآخرة، ومنهم من كان سبب كفره الخضوع لمن دونه أو مثله في أمر الدنيا، حمله ذلك على إنكار الرسالة والجحود لها، وغير ذلك من الأسباب التي حملتهم على الكفر والضلالة وهي مختلفة.

﴿ ٦