٣٨

وقوله: (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨)

قد ذكرنا فيما تقدم أن لا أحد يقصد قصد الاستكبار على اللّه تعالى. ثم يخرج هذا على وجهين:

أحدهما: أنهم قد أمروا بطاعة الرسل - عليهم السلام - فاستكبروا عن الائتمار لهم لما دعوهم إليه؛ فيصير استكبارهم عليه كالاستكبار على اللّه تعالى.

والثاني: لما تركوا عبادة اللّه تعالى وجعل في أنفسهم دلالة العبادة للّه تعالى؛ فإذا تركوا العبادة للّه تعالى فقد تركوا الائتمار بأمره، لم يعتقدوا الائتمار لذلك الأمر فيكون استكبارًا عليه، واللّه أعلم.

وقوله: {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}.

يقول - واللّه أعلم -: فإن استكبر هَؤُلَاءِ على عبادة اللّه تعالى فأوحشك ذلك، فاذكر عبادة من عنده من الملائكة بالليل والنهار حتى تستأنس بذلك، واللّه أعلم. وهو كقوله: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ}، كان يستوحش باستهزائهم به؛ فذكر له استهزاء أُولَئِكَ بإخوانه لِيَقِل ذلك فيه؛ لما علم أنه ليس أول من استهزئ به، فهذا مثله.

والثاني: فإن استكبر هَؤُلَاءِ على عبادة اللّه وقد عبدوا الملائكة والأصنام وغيرهم، فالذين هم عند ربك ممن عندهم هَؤُلَاءِ لم يستكبروا؛ بل هم مسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون، وهو كقوله - تعالى -: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآية؛ وكقوله - تعالى -: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا للّه وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}، يقول: إن استنكف هَؤُلَاءِ عن أن يكونوا عُبُدًا للّه، فالمسيح ومن ذكر لم يستنكفوا عن ذلك.

وقوله تعالى: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}.

يخبر أنهم لا يسأمون عن عبادته كما يسأم البشر أحيانًا عن عبادته، واللّه أعلم.

﴿ ٣٨