١١ثم نعته فقال: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... (١١) وقال هو في موضع آخر: {الْحَمْدُ للّه فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، وفي موضع آخر: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}، وقال في موضع آخر: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. قال بعض الباطنية: المبدع: هو الذي ينشئ الأشياء لا من شيء، والخالق: هو الذي ينشئ الشيء من شيء ولا من شيء، والفاطر: هو الذي ينشئ من شيء أو نحوه من الكلام. وعندنا أن هذه الأسماء وإن اختلفت ألفاظها وافترق اشتقاقها ومأخذها، فهي في المعاني واحدة، الإبداع هو الإنشاء بلا احتذاء سبق، والخلق هو الإنشاء والتقدير، لكن غيره لا يجوز أن يسمى: خالقًا؛ لأنه لا يقدر على تقدير شيء إلا على مشاهدة: عاينه ورآه، والفاطر كأنه مأخوذ من الشق، يشق الشيء ويخرج منه أشياء، كله خلق، وفاعله خالق على الحقيقة، وهو اللّه تعالى، وباللّه القوة والتوفيق. وقوله: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي: جعل من نفس آدم وحواء - عليهما السلام - أزواجًا نسبنا جميعًا إليهما؛ لأنهما الأصل، وإنا جميعًا إنما كنا من ذلك الأصل، وهو كنسبته إيانا إلى التراب بقوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}، وإنما خلق أصلنا من التراب، لكنه نسبنا إليه؛ لما منه كنا جميعًا؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي: من نفس آدم وحوّاء، ونسبنا إليهما؛ لما منهما كنا جميعًا، واللّه أعلم. والثاني: يقول: جعل بعضكم من بعض أزواجًا أي: حلائل، أي: خلق الإناث من الرجال، والرجال من الإناث، وهو ما ذكر في آية أخرى: {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا. . .} الآية. والثالث: أي: جعل لكم من مثل خلقكم أزواجا؛ أي: أصنافًا وأشكالا، جعل الخلائق كلها ذات أشكال وأمثال، وذات أزواج، وكذلك يخرج قوله: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا} على وجهين: أحدهما: يقول - واللّه أعلم -: إنه جعل الأنعام - أيضًا - ذات أزواج وأشكال. والثاني: جعل منها الذكور والإناث - أيضًا - كما جعل من البشر. وقوله: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} اختلف في تأويل قوله: {يَذْرَؤُكُمْ}، والمراد بقوله: {فِيهِ}: أن الهاء كناية عن ماذا؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: {يَذْرَؤُكُمْ} أي: يكثركم. وقيل: يعيشكم فيه. وقيل: يرزقكم فيه، ويعمركم. وقيل: يخلقكم. وأما قوله: {فِيهِ} قَالَ بَعْضُهُمْ: يجيء قوله: {فِيهِ}، أي: فيها، كناية عن الأنعام، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهَا} أي: في الأنعام؛ لما جعل للبشر فيها من أنواع المنافع. وأما من قرأه {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} بغير ألف فهو يجعله كناية عن العالم؛ كأنه يقول: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أي: يخلقكم في العالم ويكثركم فيه ويعيشكم ويعمركم. وقَالَ بَعْضُهُمْ: {يَذْرَؤُكُمْ} أي: يكثركم في هذا التزويج الذي جعل بينكم؛ أي: يكثركم بسبب هذا التزويج لم يكثر الناس. وجائز أن يكون قوله: {فِيهِ} كناية عن التدبير؛ يقول: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ}: يخلقكم فيه نسلا بعد نسل؛ كقوله - تعالى - {ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ}، وهو قول الْقُتَبِيّ وأبي عَوْسَجَةَ. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. . .} الآية. يستدل بعض أهل التشبيه بأن له مثلا بقوله - تعالى - {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يقولون: لو لم يكن مثل لم يذكركاف التشبيه؛ حيث قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، لكن نفى مثلية الأشياء عن مثله؛ فيكون فيه إثبات مثل له لا يشبه سائر الأشياء سواه؛ أو كلام نحو هذا. وعندنا: قوله - تعالى - {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي: ليس مثله شيء، والكاف قد تزاد في الكلام. وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: ليس كهو شيء، والعرب قد تقيم المثل مقام النفس. وأصله: أن الخلق ذو أعداد، وكل ذي عدد له أشكال وأمثال من حيث العدد. والأصل في ذلك: أن الخلق وإن كانوا ذا أمثال وأشكال وأشباه، فليس يشبه بعضهم بعضًا من جميع الوجوه وكل الجهات، ولكن إنما يشبه بعضهم بعضا لا من جميع الوجوه، أو بوجه أو بصفة، أو بجهة أو بنفس، ثم صار بعضهم أمثالا لبعض وأشباهًا بتلك الجهة وبذلك الوصف؛ فدل أن اللّه - تعالى - ليس يشبه الخلق، ولا له مثال منهم بوجه من الوجوه، ولا له شبه منهم، لا ما يرجع إلى النفس، وهو يتعالى عن جميع معاني الخلق وصفاتهم، ودل قوله - تعالى -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}: أنه شيء؛ لأنه نفى عن نفسه المثلية ولم ينف الشيئية، لكن يقال: شيء لا كالأشياء ينفى عنه شبه الأشياء، والشيء إثبات، وفي الإثبات توحيد، ولو لم يكن شيئًا لكان يقول: ليس هو شيئًا؛ دل أنه ما ذكر. وقوله - سبحانه -: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ذكر في غير موضع، واللّه الموفق. |
﴿ ١١ ﴾