٢٤وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللّه كَذِبًا} أي: بل يقولون: افترى مُحَمَّد على اللّه كذبا. وقوله: {فَإِنْ يَشَإِ اللّه يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} اختلف فيه: قَالَ بَعْضُهُمْ: {فَإِنْ يَشَإِ اللّه يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} بالصبر حتى لا تجد مشقة استهزائهم بك، ولا غصة تكذيبهم إياك. وقَالَ بَعْضُهُمْ: فإن يشأ اللّه أن ينسيك القرآن فلا تبلغه إليهم فلا يستهزئوا بك، ولا يكذبوك، أو كلام نحوه. وعندنا أنه يخرج على وجهين: أحدهما: ما ذكرنا بدءًا {فَإِنْ يَشَإِ اللّه يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} بالصبر حتى لا تجد مشقة الاستهزاء ولا غصة التكذيب. والثاني: يحتمل: {فَإِنْ يَشَإِ اللّه يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} كما ختم قلوب أُولَئِكَ الكفرة حتى لا تفهم ولا تعقل الحق من الباطل، كما فعل بأُولَئِكَ، يذكره إحسانه إليه وفضله بما أكرمه بأنواع الكرامات التي أكرمه بها؛ ليشكر ربه على ذلك، ويرحم على أُولَئِكَ بما ختم على قلوبهم، وما ينزل بهم من أنواع العذاب وعلى ذلك بلغ أمره - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من المرحمة والشفقة عليهم ما ذكر {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ. . .} الآية، وقوله - تعالى -: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}، كادت نفسه تهلك إشفاقًا عليهم ورحمة، واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَيَمْحُ اللّه الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} هذا يخرج على وجهين: أحدهما: أي: يظهر ويظفر أهل الحق على أهل الباطل وينصرهم حتى يصير أهل الحق ظاهرين قاهرين على أهل الباطل؛ فذلك محق الباطل وإحقاق الحق. والثاني: يحق الحق بالحجج والبراهين حتى يعرف كل أحد الحق من الباطل بالحجج التي أقامها إذا تأمّل فيها حق التأمّل، وهو كقوله - تعالى -: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، واللّه أعلم. وقوله: {بِكَلِمَاتِهِ} أي: بحججه وبراهينه. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} قال أهل التأويل: أي: عليم بما في الصدور، ولكن قوله: {بِذَاتِ الصُّدُورِ} عبارة عمن له الصدور عن الرأي والتدبير، وهم البشر واللّه أعلم. |
﴿ ٢٤ ﴾