٨

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) فيه تحذير أُولَئِكَ الكفرة أن ينزل بهم بتكذيبهم الرسول، وسوء معاملتهم إياه، كما نزل بأُولَئِكَ الكفرة المتقدمين بتكذيبهم الرسل، وسوء معاملتهم إياهم، واللّه أعلم.

وقوله: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا} يحتمل وجهين:

أحدهما: أي: أهلكنا من كان أشد قوة وبطشًا من هَؤُلَاءِ، ثم لم يتهيأ لهم الامتناع لشدة قوتهم وبطشهم عما نزل بهم من العذاب، فعلى ذلك لو نزل لهَؤُلَاءِ لم يتهيأ لهم الامتناع مع ضعفهم.

والثاني: أن يكون قوله: {أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا} وصف ذلك العذاب الذي نزل بهم؛ أي: ملك العذاب أشدّ منهم بطشًا؛ فلا يمتنع عمله؛ لبطشهم وفوتهم، أما إذا كان شدة العذاب وبطشه دون بطشهم ربما لا يعمل ولا يؤثر فيه؛ لذلك وصف العذاب بكونه أشد منهم بطشًا، وهو كقوله - تعالى -: {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، واللّه أعلم.

وقوله: {وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ}، هذا يخرج على وجهين:

أحدهما: {وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ} أي: صار عذاب الأولين عبرة وعظة ومثلا للمتأخرين، كقوله: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}.

والثاني: {وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ} أي: مضى عذاب الأولين، وهو عذاب الاستئصال؛

فلا يعذب هذه الأمة بمثل عذابهم؛ لفضل نبينا مُحَمَّد - عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات - وبركته ورحمته وهو ما قال اللّه - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} بفضله ورحمته أبقى هذه الأمة إلى يوم القيامة، واللّه أعلم.

﴿ ٨