٨

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللّه شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) هذا حرف المنابذة، يقول: إن افتريته فلا تملكون أنتم دفع عقوبة ذلك الافتراء عن نفسي، وهو كقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي}، يقول: عليَّ إثم ذلك وجرمه، وإنَّمَا يقال هذا عند انتهاء الحجج والبراهين غايتها، حتى لا يطمع منهم القبول والنجع فيهم، ويؤيس منهم، فعند ذلك يقال وينابذ، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} أي: بما تخوضون فيه، يقول هذا ويذكر؛ لئلا يقولوا ولا يدعوا غفلته عن ذلك؛ بل يذكرهم أنه كان عالمًا بما يسرون ويعلنون.

وقيل: {تُفِيضُونَ} من قولهم: أفاضوا، إذا علموا وتحدثوا؛ وهو قول الْقُتَبِيّ.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} يخرج على وجهين:

أحدهما: أي؛ يشهدون في الآخرة: أنّه قد بلغ رسالته.

والثاني: أي: كفى به شهيدًا بيني وبينكم في الدنيا بما علم ما كان منهم من الشرك والتكذيب، ومني من التبليغ، فهو شاهد بما كان مني ومنكم في الدنيا من سرّ وعلانية، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ذكر هذا في هذا الموضع على إثر ما ذكر من غاية سفههم وتعنتهم - واللّه أعلم - كأنه يقول: إنكم وإن بلغتم في السفه ما بلغتم فإنكم إذا رجعتم عن ذلك وتبتم يغفر لكم ما كان منكم، واللّه أعلم.

ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللّه}، إن كان على

حقيقة العبادة فهو صلة قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ. . .} الآية؛ يقول - واللّه أعلم -: ومن أضل ممن يعبد من لا يملك ما ذكر من خلق الأرض، ولا له شرك في السماوات وما ذكر، وترك عبادة من خلق السماوات، وخلق الأرض، وشهد كل شيء له بذلك، وأتى بالحجج والبراهين على ذلك؛ أي: لا أحد أضل ممن ترك عبادة من هذا وصفه، وصرف العبادة إلى الذي لا يملك شيئًا من ذلك، واللّه أعلم.

وإن كان على الدعاء نفسه فهو صلة ما ذكر من قوله: {لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}، أي: ومن أضل ممن يدعو من دون اللّه من لا يملك إجابته، ولا يسمع دعاءه، وترك دعاء من يملك إجابته ويسمع دعاءه، ويقدر قضاء ما يدعون ويسألون؛ أي: لا أحد أضل ممن اختار دعاء من لا يملك شيئًا من ذلك على دعاء من يملك ذلك كله؛ يسفههم في صنيعهم واختيارهم على ما اختاروا، واللّه أعلم.

﴿ ٨