١٠

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللّه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) أمر اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - بإصلاح ذات البين بين المؤمنين بقوله: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}، وأمر بالإصلاح بين الطائفتين من المؤمنين إذا اقتتلوا وتنازعوا بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} وأمر بالإصلاح بين الآحاد والأفراد بقوله: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}؛ لأن الإيمان يوجب التآلف، وبالتآلف ندبوا، وإليه دعوا، وبه منَّ اللّه - تعالى - علينا؛ حيث قال: {مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّه أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}، وقال في آية أخرى: {وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، أمر بالتأليف والاجتماع، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، وأمر المؤمنين جملة أن يصلحوا ذات بينهم إذا وقع بينهم تنازع واختلاف واقتتال على ما ذكر، واللّه أعلم.

ثم من الناس من استدل بقوله - تعالى -: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} على أن اسم الطائفة يقع على الواحد فصاعدًا، فقال: إنه ذكر في أول الآية: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}، وقال في آخره: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} فدل أن اسم الطائفة يقع على الواحد فصاعدًا، فقال: فيستدل بهذا على أن في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ}، يراد به الواحد؛ فيدل على لزوم خبر الواحد العدل.

لكن عندنا ما ذكر أنه أمر بإصلاح ذات البين بين جملتهم، وأمر بالصلاح بين فريقين، وأمر بذلك بين الآحاد والأفراد، وليس في قوله: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} دلالة أنه أراد به

الأخوين، أو ذكر {بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}، وأراد به الاثنين اللذين كان الاقتتال بينهما، وفيهما هاج القتال بينهم، فأما أن يكون اسم الطائفة يقع على الواحد فلا؛ بل هو في اللغة وعرف اللسان على الجماعة، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَاتَّقُوا اللّه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي: اتقوا مخالفة أمر اللّه لكي تقع بكم الرحمة، أو لكي يلزمكم الرحمة.

﴿ ١٠