١٣وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣) هذا خطاب للجن والإنس، وفيه دلالة أن النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان مبعوثا إلى الإنس والجن جميعا؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}. وقيل: ليس أن يخاطبهما جملة، لكن يخاطب كل إنسي وجني في نفسه؛ كقوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}، ليس أن قال الفريقان جميعا: كونوا هودا تهتدوا، ولكن قال اليهود: كونوا هودا تهتدوا، وقال النصارى: كونوا نصارى تهتدوا؛ فعلى ذلك هذا. ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، عن جابر بن عبد اللّه قال: خرج رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها، فسكتوا فقال: " لقد قرأتها على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردودا منكم، كلما قرأت عليهم {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قالوا: لا شيء من آلاء ربنا نكذب؛ فلك الحمد ". ثم فيما ذكر من قوله: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (١٠) فِيهَا فَاكِهَةٌ. . .) إلى آخره، يذكر نعمه، وقدرته، وتدبيره، وعلمه، ووحدانيته. أما نعمه: فإنه بسط الأرض لهم بما فيها من أنواع الحبوب والفواكه التي بها قوامهم، والعصف وأنواع النبات التي بها قوام دوابهم. وأما بيان قدرته وسلطانه: فإنه أنشأ هذه الفواكه والحبوب في أكمامها ما يعجز الخلق عن إحداث شيء وفعله في الغلف؛ ليعلم أن صنعه وفعله خارج عن المعالجات والممارسات التي لا تتحقق مع الأغطية، وأن قدرته وفعله غير مقيسين بأفعال الخلق وقدرتهم، كذلك الأولاد في البطون، والفراخ في البيض، وأمثالها في الظلمات؛ ليعلم أنه لا يخفى عليه شيء، ثم أنشأ هذه الثمار والحبوب في الوقت الذي لا تحتمل البرد والحر في الأكمام من وراء الحجب، وأمسكها فيها في حال ضعفها، فإذا اشتدت وقويت أخرجها من الغلف، وفي ذلك لطف منه ونعمة عظيمة على خلقه. وفيه إثبات البعث من وجهين: أحدهما: أن من قدر على إنشاء هذه الأشياء، لقادر على إعادة الخلق. والثاني: أنه لما أنشأ لهم ما ذكر، ثم منهم من شكر هذه النعم، ومنهم من كفر، ثم استويا في هذه الدنيا، وفي الحكمة التفريق بينهما - فلا بد من دار أخرى فيها يفرق بينهما. وفيه لزوم الامتحان؛ إذ لا يحتمل أن ينشئ لهم هذه النعم، ثم يتركهم سدى لا يستأدي شكر ما أنعم عليهم. ثم معرفة الشاكر منهم والكافر لا يعرف إلا بمعرف يعرفهم؛ لأن مقدار الشكر وكيفيته لا يعرف بمجرد العقل؛ فيضطرهم إلى رسول يخبرهم عن اللّه تعالى ذلك؛ فيكون فيه إثبات الرسالة. ثم في إخراج هذه الحبوب والفواكه كلها في وقت واحد من المشرق والمغرب على سنن واحد في زمان واحد من غير تفاوت - دليل أن علمه وتدبيره أزليان ذاتيان؛ إذ لم يمنعه شيء عن شيء. ثم اتساق ذلك واتصال ما ذكر من منابع الأرض بمنافع السماء من غير مدخل من أحد - دليل على وحدانيته؛ إذ لو كان ذلك فعل عدد ما جرى ذلك على سنن واحد؛ على ما هو التدافع والتمانع في الأمر القائم بين اثنين عند الاختلاف، واللّه الموفق.  | 
	
﴿ ١٣ ﴾