٩

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللّه بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٩) الآيات في الحقيقة: هي الأعلام، لكن فسرت الآيات بالحجج؛ لأن الآيات حجج من عند اللّه تعالى جاءت، لا أنها مفتعلات من الخلق.

وقوله: {بَيِّنَاتٍ}: واضحات أنها من عند اللّه جاءت، لا من عند الخلق، أو بينات أمره ونهيه، وما لهم وما عليهم، وما يؤتى وما يتقى.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} ما أضيف إلى اللّه تعالى من الإخراج، فهو على وجهين:

أحدهما: على حقيقة الإخراج، وهو أن يوفقهم إلى الإيمان، ويعطيهم المعونة والعصمة؛ فيخرجون مما ذكر من الكفر إلى الإيمان.

والثاني: يخرج على الأمر به، والدعاء إلى الإيمان، ليس على حقيقة الإخراج، وهو كقوله: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} في هذه الآية، ونظير حقيقة الإخراج قوله: {اللّه وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، وعلى هذا يخرج إضافة

الهداية إلى اللّه تعالى: على التوفيق وإنشاء فعل الهداية منهم، والثاني: على الدعاء والبيان، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِنَّ اللّه بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} جائز أن يكون معناه: وإن اللّه بمن خرج من الظلمات إلى النور لرءوف رحيم، وهو يرجع إلى المؤمنين خاصة.

وجائز أيضا أن يوصف بالرحمة والرأفة على الكل؛ أي: بكم لرءوف رحيم بما أرسل إليكم الرسول، وأنزل عليكم الكتاب، وإن كان في أنفسكم وعقولكم كفاية على معرفة وحدانية اللّه تعالى وربوبيته بدون إنزال الكتاب وإرسال الرسول، لكن بفضله ورحمته أرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ ليكون ذلك أدعى لهم، وأوصل إلى إدراك ما دعوا إليه، وأقرب في دفع الشبه والعذر، واللّه أعلم.

﴿ ٩