١٠وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللّه وَعَلَى اللّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠). أي: النجوى الذين كانوا يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، ليس كل نجوى على ظاهر ما يخرج الخطاب عامًّا؛ ولكن يرجع إلى النجوى التي ذكرنا، وهو الذي نهوا عنه. ثم قوله: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} جائز أن يكون معناه: ابتداء النجوى في الشر من الشيطان، وهو ما ذكر في بعض القصة أن اللّه - تعالى - لما خلق آدم - عليه السلام - قال إبليس للملائكة: أرأيتم إن فضل هو عليكم ما تصنعون؟ فأجابوه بما أجابوا؛ فقال هو: إن فضلت عليه لأهلكنَّه، [وإن فضل هو عليَّ لأعصينَّه]، فقد ناجاهم في أمر آدم - عليه السلام - بالشر، فكان أول النجوى في الشر من الشيطان. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا}. لولا أن الشيطان في حال الحزن يكون أملك على إفسادهم وإخراجهم من أمر اللّه - تعالى - وإدخالهم في نهيه؛ وإلا لم يكن لقوله: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} معنى؛ فدل أنه - لعنه اللّه - في حال الحزن والغضب أملك وأقدر من حال السرور والسعة، لكنه بما يدعوه إلى اللذات ويمنيه أشياء كان قصده من ذلك أن يوقعه في الضيق والشدة لما هو عليه أقدر في تلك الحال؛ ولذلك قال لآدم وحواء - عليهما السلام -: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}، تلقاهم بالغرور بالذي ذكر، ومناهم ما ذكر، وكان قصده من ذلك إبداء عورتهما وإيقاعهما في الضيق والبلاء؛ حيث قال: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا. . .} الآية، مكن اللّه - تعالى - إبليس من الشر بالذي ذكرنا، ولم يمكن له من إفساد الطعام واللباس والأشربة ونحو ذلك، وهو دون الأول، وذلك أكثر، لكن هذا في الضرر الدنياوي أكثر؛ فلم يمكنه من إفساد هذه الأشياء تفضلا منه وإحسانًا عليهم، واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللّه}. أي: ليسوا بضارين لهم فيما يتناجون من الكيد بهم والمكر، واللّه أعلم. ثم قال: {وَعَلَى اللّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. أي: في دفع من قصدهم من الكيد بهم والمكر والهلاك، وعليه يتوكلون في النصر لهم والمعونة على أعدائهم، والتوفيق لهم في كل خير، وكل هذا وصف المؤمنين وأما المعتزلة، فهم بمعزل عن هذه الآية، وكذلك: المؤمنون على قولهم غير متوكلين على (١) في المطبوع هكذا [وإن فضل هو عليَّ لأعاديه] والتصويب من (أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي. ١/ ٦٣). اللّه؛ لأنهم يقولون: إن اللّه - تعالى - قد أعطى كلا من النصر والمعونة ما ينتصر على أعدائه وينتقم منهم حتى لا يبقى عنده مزيد ما ينصرهم ويعينهم على شيء؛ فعلى قولهم لا يقع للمؤمنين في التوكل على اللّه - تعالى - شيء؛ لأنه ليس عنده ما ينصرهم ولا ما يعينهم، فعلى ماذا يتوكلون عليه على قولهم إذا لم يملك ما ذكرنا، ومن قولهم: إن على اللّه - تعالى - أن يعطي من المعونة والتوفيق حتى لا يبقى عنده مزيد بشيء فلو منع شيئًا من ذلك لم يعطهم يكون جائرًا، ثم إذا أعطاهم ما ذكروا، ولا يهتدون ولا ينتصرون، واللّه - تعالى - قال: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللّه فَلَا غَالِبَ لَكُمْ}، وقال: {مَنْ يَهْدِ اللّه فَهُوَ الْمُهْتَدِي}؛ فدل أن ما قالوا مخالف للكتاب. ثم اختلف في اشتقاق النجوى: فمنهم من قال: هو من النجوة، وهو المكان العالي المرتفع: وذلك أنهم كانوا يقومون في مكان مرتفع فيتحدثون فيه فإذا رأوا من قصد بهم فيتفرقون، أو كلام نحو هذا معناه. ومنهم من قال: التناجي: التخالي بما ذكروا، فيكون معنى قوله: {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} أي: إذا تحاليتم فلا تتخالوا بما ذكر. وقَالَ الْقُتَبِيُّ: التناجي من التشاور، واللّه أعلم. |
﴿ ١٠ ﴾