٥وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللّه وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (٥). وما ذكر أن اليهود نادوا المسلمين: إنكم تزعمون أن اللّه لا يحب الفساد، وأنتم تفسدون بقطع النخيل لا يحتمل هذا؛ قال اللّه - تعالى - قبل: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ}، فإذا كانت أنفسهم تسخو بتخريب البيوت؛ فما بالها لا تسخو بقطع الأشجار؟! ومعلوم أنه لا يؤمل في البيوت منفعة بعد تخريبها، وقد يؤمل في النخيل منافع بعد قطعها، ولكن إن كان يصح ذلك الخبر فتأويله عندنا أنه يجوز أن يكون المسلمون خوفوهم بالقتل؛ فقالوا على أثر ذلك: إنكم إذا قتلتمونا صارت هذه النخيل لكم؛ فكيف تفسدون أملاككم؟! ثم في إذن اللّه بقطع النخيل أوجه من التأويل: أحدها: أن يكون فيه بيان أن مقاتلة المسلمين إياهم لم تكن لرغبة في أموالهم؛ بل ليستسلموا للّه ولرسوله، ويخضعوا لدينه. والوجه الثاني: أن حرمة هذه الأموال إنما هي لحرمة أربابها، وأبيح قتلهم وإتلافهم؛ فما ظنك بأموالهم؟! والوجه الثالث: أن اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - كتب عليهم الجلاء، ومعلوم أن أنفسهم بالجلاء إذا خربت بيوتهم وقطعت أشجارهم أسخى منه إذا بقيت ليقطع طمع من أجلي عن المقام؛ فأذن اللّه - تعالى - في قطع النخيل إتمامًا لما كتب عليهم من الجلاء، واللّه أعلم. والرابع: أن هَؤُلَاءِ كانوا أئمة اليهود، والتحريف والتبديل للتوراة إنما وقع منهم؛ رغبة في الدنيا وسعتها؛ فأذن اللّه - تعالى - في قطع النخيل عقوبة لهم، وحزنًا من الوجه الذي وقع له التبديل منهم، واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَبِإِذْنِ اللّه}. إن كان المراد منه العلم فوجهه أن اللّه - تعالى - علم منهم ذلك، ولو كان فسادا فيه لنهاهم عن ذلك. وإن كان المراد منه الأمر فهو أن اللّه - تعالى - أمر بالقطع والترك جميعًا. وإن كان المراد منه المشيئة فهو أن اللّه - تعالى - قد شاء الأمرين جميعًا، واللّه أعلم. واللينة: اللون من النخيل؛ كما تقول: فوت وفيتة. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}. أي: ليكون كبتًا وغيظًا للفاسقين، واللّه أعلم. |
﴿ ٥ ﴾