٧

ثم قوله: {مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}.

يعني: رد اللّه على رسوله من ملك الكفرة، أو ما أعطى اللّه لرسوله من ملك الكفرة.

وقوله: {مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} يجوز أن يكون قرى قد أعطوه، أو يكون هذه بشارة لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في فتح القرى.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلِذِي الْقُرْبَى}.

يجوز أن يقال: إن الظاهر من هذه الآية أن يكون المراد منها غير قرابة رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إن ما غنمتم من شيء فإن للّه خمسه وللرسول ولذي القربى "، فقرابة رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إنما تدخل في هذه الآية بالتأويل، وذلك أن المفهوم من ذكر القرابة إنما هو قرابة المخاطبين في الآية، ومعلوم أن الخطاب بالقسم إنما هو للمغتنمين.

وفي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ} إنما يفهم منه قرابة الرسول - عليه السلام - وذوو القربى من أصحابنا يسلكون في ذلك مذهبين:

منهم من يقول: إن هذا الحق في الأصل للمحتاجين من القرابة لوجهين.

أحدهما: قوله: {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وكان المراد منه منصرفًا إلى المحتاجين؛ فكذلك في القرابة.

ومنهم من قال: إن الخمس كان لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يصل به إلى قرابته، فلما قبض - عليه السلام - انقطع ذلك الحق؛ لوجهين:

أحدهما: قوله - عليه السلام -: " إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة ".

والثاني: إنما كانوا يستوجبونه برسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فإذا قبض انقطع ذلك عنهم؛ على سبيل انقطاع الحقوق عن أصحابها عند وفاتهم، ثم الفائدة في منع ما كان لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن الوراثة من وجهين:

أحدهما: أن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان لا يستعمل نفسه في شيء من لذات الدنيا وشهواتها، وكان قائمًا للّه تعالى؛ فإذا كان كذلك، جاز أن يكون حقيقة الملك فيه لمولاه، وإن كان في الظاهر له، واللّه أعلم.

فَإِنْ قِيلَ: أليست الأملاك كلها للّه؟

قيل لهم: نعم، غير أن الإضافة قد تكون خصوصية حال، كقوله - تعالى -: {نَاقَةُ اللّه}، وبيت اللّه.

ووجه آخر: ما كان لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فهو وقف عليه إلى يوم القيامة؛ ألا ترى أن زوجاته محبوسات عليه لا يحللن لأحد بعده، ونبوته عليه، لم تتحول بعده إلى غيره؛ فلزم - أيضا - أن يوقف عليه ملكه - عليه السلام - ومعلوم أن ما كان موقوفًا فسبيله التصدق، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}.

له معنيان:

أحدهما: أنه لو لم يبين هذه المواضع لكان ذلك الخمس الذي كان لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -

يخلفه فيه الخلفاء من بعده؛ فيداوله الأغنياء بينهم.

ومعنى آخر: لو فرق هذا بين الفقير والغني لكان حين يقع هذا للغني بيده كان يكتسب به فضول الدنيا، وأما الفقير فأول ما يقع في يده يستمتع به في منافع نفسه؛ فلذلك فرق في الفقراء، واللّه أعلم.

قَالَ بَعْضُهُمْ: الدولة: هي اسم للذي يدول بين الناس، والدّولة: واحدة، وهي فعلة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.

يعني: ما أعطاكم رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من هذه الغنيمة فخذوه ولا تظنوا به ظنًّا مكروهًا وما نهاكم عنه فانتهوا، ليس نهي زجر وشريعة، ولكن نهي منع، وما منع منكم من هذا الفيء فانتهوا عنه.

وعلى قراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}، يحمل معنى الأمر ومعنى الإعطاء، أي: ما آتاكم من الدنيا فخذوه، وما نهاكم من الدنيا عنه -يعني: زجركم عنه- فانتهوا عنه.

قال - رحمه اللّه -: ويروى: أن عامة الفقهاء يحتجون بهذه الآية في موضع الأمر مع لفظ الإيتاء، وليس يوجب ظاهره هذا؛ إذ الإيتاء هو الإعطاء والتمليك، كقوله: {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، ولكن وجه الاحتجاج به: أن اللّه - تعالى - لما أمرنا بأخذ معروفه - عليه السلام - وإن كان في أخذ المعروف من غيره - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خيار: فلأن يلزمنا الأخذ بأمره والاتباع له أحرى وأولى، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَاتَّقُوا اللّه إِنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

هذا يؤكد ما ذكر من اتباع أمره، واللّه أعلم.

﴿ ٧