٦

وقوله: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللّه لَهُمْ إِنَّ اللّه لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٦) لأنهم لم يعدوا ذلك زلة وذنبا؛ لأنه كان عندهم أنهم على الحق.

والثاني: ما قلنا: إنهم كانوا لا يؤمنون بالآخرة، والمغفرة إنما تطلب من اللّه، ويتحقق ذلك في الآخرة.

وقوله: {لَن يَغْفِرَ اللّه لَهُم}.

على ذلك أيضًا أنه لا يغفر أَستغفرت أم لم تستغفر.

قال - رحمه اللّه -: ورسول اللّه - عليه السلام - كان لا يستغفر للمنافقين بعدما ظهر عنده نفاقهم، ولكنه يجوز أن يكون هذا قبل ظهور نفاقهم، واللّه أعلم.

ثم قوله: {لَن يَغْفِرَ اللّه لَهُم} يحتمل وجهين:

 أحدهما: يقول: لن يغفر اللّه لهم ما داموا على النفاق، ولم يتوبوا عنه.

والثاني: أن يقول: لن يغفر لهم في قوم علم اللّه منهم: أنهم لا يؤمنون أبدًا، فقال في أُولَئِكَ: لن يغفر اللّه لهم؛ وكذلك هذا في قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللّه لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.

فيه أن اللّه تعالى يملك هداية وراء هداية البيان؛ لأن من لم يملك شيئًا لم يستقم أن يوصف بالتعظيم أنه لا يفعل؛ لأنه يعلم إذا لم يقدر ولم يملك لا يفعل، وإنَّمَا يوصف بهذا من يملك ذلك، ولكن لا يفعل، فلو لم يملك ولم يقدر خلق فعل الاهتداء فيمن أراد، لم يوصف بأنه لا يهدي الفاسقين؛ فدل أنه يملك هداية وراء هداية البيان، وهو خلق الاهتداء فيمن علم منه ذلك، واللّه الموفق.

وقال أبو بكر: معنى قوله: {لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي: لا يهديهم لفسقهم.

وقالت المعتزلة: أي: لا يسميهم مهتدين إذا فسقوا وضلوا. وأيهما كان فهو محال؛ لأن من هدى ضالا لضلالته فهو سفيه، فكأنه يقول: لا يسفه: ومن سمى الضال: مهتديا فهو كاذب، فكأنه قال: لا يكذب، وهما جميعا غير مستقيم؛ لأنا نعلم أنه لا يسفه ولا يكذب، فثبت أن في ملكه هداية يهدي من يشاء من عباده سوى هداية البيان، وإذا ثبت ما وصفنا أن في ملكه هداية سوى هداية البيان، ثبت أن له فيها مشيئة؛ لأن من ملك سببًا لم يجز أن يقطع عنه سببه؛ فلذلك قلنا: إن اللّه تعالى يضل من يشاء من عباده لمن علم أنه يؤثر الضلال ويختاره على الهدى، ويهدي من يشاء لمن علم أنه يؤثر الهدى على الضلالة؛ فيهديه لذلك ويوفقه ويسدده، واللّه المستعان.

﴿ ٦