سُورَةُ الْمُلْكِ

وهي مكية

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}.

قيل: تعالى وتعاظم، و {تَبَارَكَ} تفاعل من البركة، والبركة كناية عن نفي كل عيب؛ قال - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا}، أي: ماء لا كدورة فيه ولا قذر، بل هو ماء مطهر من كل آفة وعيب، فمعنى قوله: {تَبَارَكَ} أي: تعالى من أن يكون له شبيه وعديل، وتعاظم عما قالت فيه الملاحدة ومن أن يلحقه المعايب والآفات.

وقوله: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ}.

أي: الذي له ملك الملك؛ لأنه قال في موضع آخر: {قُلِ اللّهمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} أي: الذي له الملك، فذكر اليد هاهنا مكان المالك هناك؛ فامتدح - جل وعلا - بملك الملك وكونه مالكا له.

والمعتزلة يقولون بأن مِلكَ مُلْكِ الكفرة ليس له، وأنه لا يولي الملك للكافر، ويقولون في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّه الْمُلْكَ}، أن الذي آتاه اللّه الملك هو إبراهيم - عليه السلام - والهاء تنصرف إليه، لا إلى الذي حاجه، وإذا لم يجعلوا مِلْكَ مُلْكِ الكافر في يده، لم يصر ممتدحا بما ذكرنا؛ لأنه يكون في يده بعض الملك لا كله، وقال في آية أخرى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ}، وعلى قولهم يصير الملك في يد من لا يشاء؛ لأنه لا يشاء الملك للكافر، ومع ذلك يوجد فيهم الملك.

ثم ما ينبغي لهم أن يقطعوا القول بأن اللّه تعالى لا يؤتي الملك للكافر، بل عليهم أن يقولوا: إن كان إيتاء الملك أصلح لهم آتاهم إياه، وإن كان شرًّا لهم لم يؤتهم؛ إذ من

مذهبهم أن اللّه لا يفعل بعبده إلا ما هو الأصلح له في الدِّين والدنيا في حقه، فهذا جملة اعتقادهم، ثم هم لا يعرفون الوجه الذي صار أصلح في كل شيء على الإشارة إليه؛ لأنهم يقولون: في إبقاء إبليس اللعين إلى اليوم المعلوم صلاح، وإن كنا لا نعرف الوجه الذي لأجله صار أصلح، وإفناء الأنبياء والرسل - عليهم السلام - كان أصلح وإن لم نعرف من أي وجه صار أصلح؟! فليقولوا هاهنا بأن إيتاء الملك إن كان أصلح لهم لم يكن له ألا يؤتيهم، وإن كان شرًّا فعليه ألا يؤتيهم؛ لئلا يجعلوا الأمر على النفي.

ثم الملك اسم عام، وهو عبارة عن نفاذ التدبير والسلطان والولاية، والملك هو أن يكون للمالك خاصة في الشيء، لا يتناول من ذلك الشيء إلا بإذنه، وقد يكون المرء مالكا، وليس بملك، وقد يكون ملكا ليس بمالك، فكل واحد من الوجهين يقتضي معنى غير ما يقتضيه الآخر.

وجائز أن يكون تأويل قوله: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ}، أي: ملك كل من ملك من أهل الأرض بيده؛ لأنه إن شاء أبقى له الملك، وإن شاء نزعه؛ فما من ملك في دار الدنيا إلا وملكه في الحقيقة للّه تعالى.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

امتدح نفسه تعالى بأنه على ما يشاء قدير، وذلك من أوصاف ربوبيته أيضًا ومن قول المعتزلة: إنه على أكثر الأشياء غير قدير؛ لأنهم يجعلون المعدوم شيئًا؛ فشيئية الأشياء كانت بأنفسها لا بإنشاء اللّه تعالى، ويجعلون ظهورها باللّه - تعالى - فقط، وإذا كان كذلك فإنه لم يصر قادرا على شيئية الأشياء، وكذلك ينفون الخلق والقدرة على أفعال العباد.

ومن قولهم - أيضًا -: إن إقدار العبد بيد اللّه، وإذا أقدر عبدًا من عبيده على الهداية، خرجت القدرة من يده؛ فتصير هذه القدرة مستفادة لا ذاتية، وإذا كان كذلك فقد نفوا

عنه القدرة عن أكثر الأشياء، فلا يصير هو قادرا على كل شيء، وإنما هو قادر على البعض، تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.

﴿ ١