٤

 ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ. . . (٤). الآية منهم من قال: إن الكرتين هاهنا كناية عن مرة بعد مرة، ليس على تثنية العدد، فكأنه أمره أن يكون أبدًا معتبرا ناظرا في خلق الرحمن؛ وإلى هذا يذهب الحسن والأصم.

وجائز أن يكون قوله: {كَرَّتَيْنِ} مرتين، ولكن على اختلاف الوقتين؛ فيكون أحد النظرين بالليل والآخر بالنهار؛ لأنه يرى بالليل آيات وبالنهار آيات سواها، وثبوت كل ذلك يدل على وحدانيته وعجيب حكمته ونفاذ قدرته وسلطانه.

أو أن تكون النظرة الأولى ببصر الوجه والنظرة الثانية ببصر القلب؛ لأنه إذا نظر النظرة الأولى ببصر وجهه، فرأى ما فيه من العجائب أشعر قلبه ما رأى، فينظر فيه مرة أخرى ببصر القلب؛ ليتأكد ذلك ويتكرر.

ويجوز أن يكون النظران جميعا ببصر الوجه؛ لأنه لا يستوعب النظر بالجملة في المرة الأولى؛ فينظر مرة أخرى؛ ليدرك ما غاب عنه في المرة الأولى.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {خَاسِئًا}.

أي: صاغرا مستسلما معترفا بالقصور عن درك كنه سلطانه والإحاطة بعظمته وجلاله.

{وَهُوَ حَسِيرٌ}.

أي: منقطع عن درك بلوغ حكمته ونفاذ أمره.

ثم الأشبه أن يكون المراد بهذا الخطاب المكذبين بالبعث؛ لأن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وإن كان الخطاب متوجها إليه في الظاهر؛ لأنه إنما أراد بالنظر في خلق اللّه تعالى؛ ليتقرر عنده عظمة اللّه تعالى وسلطانه وعجيب حكمته ونفاذ تدبيره، ورسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قد كان تقرر عنده علم ذلك كله؛ فلم يكن يحتاج إلى النظر فيما ذكر؛ ليتقرر صرف النظر إلى المكذبين بالبعث، فأمروا بالنظر في ذكر؛ ليتقرر عندهم سلطانه ونفاذ تدبيره، وأنه ليس بالذي يعجزه أمر وأن قدرته ليست بمقدرة بقوى البشر، وهم كانوا ينكرون البعث والإحياء على تقرير الأمور بقوى أنفسهم، فإذا نظروا في هذه الأشياء وعرفوا فيها لطائف وحكمًا لا تدركها عقولهم وقوة لا تبلغها حيلهم، أدى ذلك إلى رفع الإشكال عنهم وإزاحة الريب الذي اعتراهم في أمر البعث؛ فيحملهم على الإيمان.

﴿ ٤