٤(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (٤) ذكرهم بما حل بثمود وعاد وما أصابهم بتكذيبهم الرسل، يقول: سيصيبكم بتكذيبكم محمدًا - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيما يخبركم من الأنباء عن اللّه تعالى كما يصيبهم ما أصاب ثمود وعادًا بتكذيبهم رسلهم؛ لينتهوا عن تكذيبه. أو يخبرهم أن ثمود وعادًا كذبوا رسلهم حتى صاروا إلى الهلاك، وندموا على ما سبق من تكذيبهم، فستندمون أيضًا إن دمتم على تكذيبكم محمدًا - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيما يأتيكم من الأنباء بعد موتكم، ثم ذكرهم نبأ عاد وثمود وإن كانوا مكذبين بتلك الأنباء؛ لئلا يبقى لهم يوم القيامة حجة فيقولوا: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}، ولأنهم لو بحثوا عن علم ذلك، لكانت هذه الآيات والأنباء تحقق لهم ذلك، فقد وقعت هذه الآيات موقع الحجاج، لولا إغفالهم وإعراضهم عنها، فانقطع عذرهم، ولزمتهم الحجة وإن تركوا الإيمان بها. ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ - (الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ)، وقوله: (الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ)، يحتمل أن يكون هذا مخاطبة كل مكذب بالبعث لا مخاطبة الرسول؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}، إنه خطاب لمن يغتر بالدنيا لا لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. وجائز أن يكون يخاطب به رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فإن صرف الخطاب إلى الرسول - عليه السلام - اقتضى معنى غير ما يقتضيه لو أريد بالخطاب المكذبون، والأصل أن قول القائل: (فلان ما فلان) يوجب اجتذاب الأسماع ويستدعي السامع إلى البحث في الشاهد؛ لأنه إنما يذكر فلانًا بهذا؛ لأعجوبة فيه، أو لعظم أمره، فيستبحث عن ذلك؛ ليوقف على تلك الأعجوبة التي فيه، فإن كان الخطاب للمكذبين دعاهم ذلك إلى تعرف ما فيه من الأعجوبة والتعظيم، وفي قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} مبالغة في التعجب وإذا نظروا فيه وفهموه دعاهم ذلك إلى الإيمان به، فصارت الآية في موضع الإغراء واجتذاب الأسماع. وإِن كان الخطاب في رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فتأويله: أن المكذبين يؤذونه ويمكرون به فيتأذى بهم، ويشتد ذلك عليه، فذكر ما ينزل بهم من العذاب ويحق عليهم؛ فيكون فيه بعض التسلي عما أصابه من الأذى من ناحيتهم، أو ذكره أن العذاب يحق عليهم فلا يحزن بصنيعهم، بل يحمله ذلك على الشفقة عليهم والرحمة لهم. وقيل: إن كان الخطاب في المكذبين، ففيه تخويف لأهل مكة وتهويل أنهم إن كذبوا رسولهم - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيما يخبرهم من أمر البعث، نزل بهم من العذاب ما نزل بعاد وثمود بتكذيبهم الرسل، وقد عرف أهل مكة ما نزل بأُولَئِكَ. وإِن كان الخطاب في رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ففي ذكر نبأ عاد وثمود ما يدعوه إلى الصبر على أذاهم، ويكون له بعض التسلي؛ لأنه يخبر أنك لست بأول رسول كذب، بل شركتك الرسل من قبل وابتلوا بالتكذيب، ثم بين ما نزل بعاد وثمود بالتكذيب بالقارعة، وهو قوله: |
﴿ ٤ ﴾