١٤

وقوله: (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (١٤) كسرتا كسرة واحدة.

وقيل: هدمتا هدمة واحدة.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: زلزلتا زلزلة واحدة؛ فكأنه يقول - واللّه أعلم -: تتزلزل الأرض، فتقذف ما في بطنها من الفضول، وتخرج ما فيها من الجواهر التي ليست منها بتلك الدكة، وتخرج أصول الجبال منها، ثم يجعله اللّه - تعالى - كثيبًا مهيلًا مثل الرمل، ثم يُعْمِل عليه الريح فيجعله هباء منثورًا، وتراه من لينه كالعهن المنفوش، ثم يسير مثل السحاب، فيقع في شعاب الأرض والأودية والأماكن المختلفة؛ فتصير الأرض كما قال - تعالى -: (فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (١٠٦) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (١٠٧)، وهكذا الريح إذا عملت على شيء وتقع عليه، تفرقه في النواحي، وتسوي به الشقوق، وتبسطه على وجه الأرض.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ} ليس أنها تحمل من مكان إلى مكان، ولكن تدخل هذه في هذه، وتضرب هذه على هذه بالدكة؛ فتصير كأنها حملت لذلك، وإذا كان

كذلك، فقد وقعت الواقعة يومئذ، وهذا على اختلاف الأوقات؛ ليكون معنى الآيات التي جاءت في الجبال على السواء، واللّه أعلم.

وقيل: في آيات أخر بيان آخر: بيان تقديم فناء الجبال قبل الأرض بقوله: {يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا. فَيَذَرُهَا}، أي: يذر الأرض {قَاعًا صَفْصَفًا}، وغيرها من الآيات؛ مما يدل على تقديم فناء الجبال قبلها، فإما أن يكون معنى تبديل الأرض تغييرها عن الحالة التي هي عليها اليوم من انهدام البنيان، واستواء الأودية، وإزالة الجبال؛ على ما جاء في الأخبار، فسمي لذلك: تبديلًا؛ كما يقال لمن تغير عن الحالة الحسنة إلى غيرها: تبدلت، يراد: أي: تغيرت عن حالتك؛ فعلى ذلك معنى الآية؛ أي: تكسر الجبال، وتتغير حالة الأرض في دفعة واحدة.

أو يكون في الآية إخبار عن شدة الفزع في ذلك اليوم أن يدكه دكة واحدة؛ تفني الجبال والأرض، وإن كان إفناء الجبال قبل إفناء الأرض، ليس أنهما يفنيان جميعًا بدفعة واحدة، لكن بالدكة الواحدة تهلك الجبال والأرض؛ فيكون المراد بيان شدة اليوم وهوله؛ لا بيان ترتيب فناء البعض على البعض، واللّه أعلم.

﴿ ١٤