٦وقوله -. عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (٦). وأصل هذا أن عداوتهم كانت قد اشتدت لنوح عليه السلام، وكانوا قد استثقلوه وأبغضوا كلامه، فحدث لهم ببغضهم كلامه واستثقالهم إياه معنى حملهم على الفرار؛ فنسب ذلك إلى الدعاء، لأن حدوث ذلك المعنى كان عند وجود الدعاء؛ فنسب إلى الدعاء على معنى المجاورة والقرب، لا أن يكون الدعاء في الحقيقة سببا لزيادة الفرار؛ وهو كقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ}، والقرآن لم يجعل سببا لزيادة الرجس، ولكنهم لما أحدثوا بغضا عندما تلى عليهم القرآن، فحدث لهم بذلك معنى حملهم على ذلك الوجه، فأضيفت تلك الزيادة إلى القرآن؛ إذ عند ذلك حدث ذلك السبب الزائد في الرجس، فنسب إليه على معنى المجاورة، وقال اللّه تعالى: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي}، وهم لم يكونوا منسيين، بل كانوا مذكرين يذكرونهم مرة بعد مرة، لكن بغضهم إياهم واتخاذهم سخريا أوقع لهم النسيان، فنسب إليهم الإنساء، فعلى ذلك لما أبغضوه واستثقلوا كلامه ودعاءه، أحدث لهم ذلك البغض زيادة نفار وجحود، ثم نسب النفار إلى الدعاء على الوجه الذي ذكرنا لا أن يكون الدعاء في الحقيقة منفر. |
﴿ ٦ ﴾