١٥وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥). قال أبو بكر الأصم: دلت الآية على أن للجن لحما ودما كما للإنس؛ لأنه قال في الإنس: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، فلو لم يكونوا لحما ودما، لم يصيروا لجهنم حطبا. ولكن هذا لا يدل؛ لأن اللحم من شأنه أن يحترق وينضج، ولا يصلح أن يكون وقودا، ولكن اللّه تعالى باللطف، صير لحمان الإنس وقودا، ليس أن صار حطبا بما كان لحما، فليس في الآية دلالة ما ذكر. بل فيها أن الجن قد امتحنوا بالعبادة كما امتحن بها الإنس، وأنهم إذا عصوا ربهم استوجبوا العقاب مثل ما يستوجبه الإنس. ثم ذكر عن أبي حنيفة - رحمه اللّه - أنه قال: ليس للجن ثواب، وعليهم العقاب إذا عصوا. ومعنى قوله: ليس لهم ثواب عندنا، ليس يريد به أن اللّه تعالى لا يرضى عنهم إذا عبدوه، ولا تعظم منزلتهم عنده، ولكنه يريد به أن الذي وعد للإنس من المآكل والمشارب والأزواج الحسان والحور في الجنة على الخلود - ليس لهم فيها؛ لأن الوعد من اللّه تعالى بها جرى للإنس، ولم يجر الوعد للجن، ولا ذكر ذلك في شيء من القرآن، والذي وعد به الإنس طريقه الإفضال والإنعام، لا أن يكون ذلك حقًّا للإنس قِبَلَه، فإذا لم يجر لهم الوعد بذلك، لم يجب القول لهم بالموعود. وأما العقاب فإن الحكمة توجب التعذيب لمن كفر به؛ فلا يجوز أن تكون الحكمة توجب تعذيب الكفرة، ثم لا يعذب الجن إذا كفروا؛ فلذلك وجب القول بعقابهم، ولم يجب القول بالثواب، واللّه الموفق. |
﴿ ١٥ ﴾