سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ

مَكِّيَّة

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١-٣

قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}.

المزمل والمدثر يقتضيان معنى واحدا، على ما نذكر في سورة المدثر.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ).

جائز أن يكون هذا الأمر كله منصرفا إلى وقت واحد، فإذا صرفته إلى وقت واحد، فإما أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) منصرفا إلى قوله: {قُمِ اللَّيْلَ}، أو إلى قوله: {إِلَّا قَلِيلًا}، فإن صرفت النقصان إلى قوله: {إِلَّا قَلِيلًا}، زدت في الأمر بالقيام، وإن صرفت النقصان إلى قوله: {قُمِ اللَّيْلَ}، فقد زدت في قوله: {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا}؛ فإلى أيهما صرف، اقتضى الزيادة في أحدهما، والنقصان في الآخر؛ فيتفق معناهما، وهذا نظير قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}؛ فمنهم من جعل الكلالة اسما للميت الموروث عنه، ومنهم من أوقع هذا الاسم على الحي الذي يرث الميت، وأيهما كان فهو يقتضي معنى واحدا؛ لأن منزلة الحي من مورثه ومنزلة المورث من الحي واحدة، لا تختلف.

وجائز أن يكون هذا على اختلاف الأوقات، على ما ذكره أهل التفسير؛ فيكون قوله: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} أمرا بإحياء أكثر الليل، ثم يكون في قوله: {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} تخفيف الأمر عليه؛ فيكون فيه أن له أن ينقص عن الأكثر.

وقوله: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ}، أي: على المقدار الذي أبيح له الانتقاص، وإذا ارتفع

الانتقاص عاد الأمر إلى ما كان مأمورا به في الابتداء.

ثم القليل ليس باسم لأعين الأشياء؛ ولكنه من الأسماء المضافة، فإذا قيل اقتضى ذكره تثبيت ما هو أكثر منه حتى يصير هذا قليلا إذا قوبل بما هو أكثر منه؛ فلذلك قالوا بأن قوله {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}، يقتضي أمر القيام أكثر الليل؛ ولهذا قال أصحابنا فيمن أقر أن لفلان عليه ألف درهم إلا قليلا: إنه يلزمه أكثر من نصف الألف؛ لأنه استثنى القليل؛ فلا بد من أن يكون المستثنى منه أكثر من المستثنى حتى يكون المستثنى قليلا، كما استثنى، واللّه أعلم.

﴿ ١