٩وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩). قال أبو بكر الأصم: تأويله: ملك المشرق والمغرب، وحقه أن يقال: مالك المشرق والمغرب؛ لأنه هو المالك على التحقيق. وقَالَ بَعْضُهُمْ: الرب هو المصلح، ثم خص المشرق والمغرب بالذكر وإن كان هو مالكهما ومالك الخلائق أجمع؛ لأن ذكر المشرق يقتضي ذكر السماوات والأرضين، وفي ذكر السماوات والأرضين ذكر أعلى العليين وأسفل السافلين؛ لأنه إذا نظر إلى المشرق ورأى ما يطلع في المشرق من عين الشمس، ثم تجري في أقطار السماء، وتقطع كل يوم مسيرة ألف عام، ثم تغرب في عين حمئة؛ فتصير إلى أسفل السافلين، وتجري كذلك حتى تصل إلى مطلعها، ثم تطلع هنالك؛ فدل ذلك على أن مدبر السماوات والأرضين ومنشئهما واحد، وأن سلطانه في الأرض كسلطانه في السماء، ويعلم أن من بلغت قدرته هذا المبلغ في أن يسير عين الشمس في يوم واحد مسيرة ألف عام ما يشتد على الخلق قطع هذه المسافة في مدد كثيرة - لا يجوز أن يعجزه شيء، ودل على أن ملكه دائم لا ينقطع؛ لأن عين الشمس تجري في كل يوم، على ما سخرت، لا تتبدل، ولا تتغير باختلاف الأزمنة والأوقات، وجعل منافع أهل الأرض متصلة بمنافع السماء، ولو لم يكن مدبرهما واحدا لارتفع الاتصال، وانقطعت منافع السماء عن أهل الأرض؛ فكان في ذكر المشرق والمغرب دلالة وحدانيته، وإظهار قوته وسلطانه، والوقوف على عجائب حكمته ولطائف تدبيره. ثم تخصيص ذكر المشرق والمغرب دون السماء والأرض؛ هو - واللّه أعلم - لأن هذا أوصل إلى معرفة التوحيد، وأسرع إلى الإدراك من ذكر السماوات والأرض، وإن كان في التدبر في أمر السماء والأرض تحقيق ذلك. وفي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}، أي: الذي أمرت بذكره هو رب المشرق والمغرب، وفيه تعريف الوجه الذي يوصل إلى معرفة ربوبيته. وقوله: {لَآ إلَهَ إِلَّا هُوَ}، أي: لا معبود يستحق العبادة إلا هو؛ لأن الذي يحمل الإنسان على عبادة المعبود الخوف والرجاء، وإذا عرفهم بذكر المشرق والمغرب أن تدبير الخلائق كلها راجع إليه، وأنه هو القاهر عليهم والقادر عليهم، وبيده الخزائن والمنافع أجمع، علموا أنه هو الإله الحق، والرب القاهر، وأن من سواه مربوب مقهور، لا يملك نفعا ولا ضرًّا، فكيف يستوجب العبادة والإلهية؟!. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}: جائز أن يكون أراد به أن كِلْ أمورك كلها إلى اللّه تعالى حتى يكون هو الذي يدبر ويحكم، ولا تر لنفسك فيها تدبيرا. والوكيل في الشاهد هو الذي يدخل في أمر آخر على جهة التبرع؛ لينصره فيه، ويعينه؛ فيكون قوله: {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}، أي: اطلب من عنده النصر والمعونة، والمرء في الشاهد إنما يفزع إلى الوكيل؛ ليزيح عن نفسه عللّه، ويقضي عنه حوائجه، ويقوم عنه في النوائب؛ فكأنه يقول: افزع إلى اللّه تعالى في نوائبك؛ فيكون هو الذي يزيح عنك العلل، ويقضي عنك الحوائج، ويكون معتمدك في النوائب، واللّه أعلم. |
﴿ ٩ ﴾