| ١١وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (١١) ففيه أن أهل الخصب والرغد هم الذين اشتغلوا بالتكذيب، وهم الذين كانوا يصدون الناس عن سبيل اللّه؛ كما قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا}، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا}؛ فخص أولي النعمة بالذكر لهذا. ثم في قوله: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} إيهام بأن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سبق منه المنع، ولم يوجد من رسول اللّه حيلولة ومنع، ولكن مثل هذا الخطاب موجود في كتاب اللّه تعالى في غير آي من كتابه، وهو أن يخرج مخرجا يوهم أن هناك مقدمة، وإن لم يكن فيها مقدمة في التحقيق؛ قال اللّه تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا}، ولم يكن فيه تحقيق الوضع، وإن كان الرفع يستعمل في الشيء الموضوع؛ فكان تأويل الرفع هاهنا بأنها خلقت مرفوعة. وقال: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ}، ولم تكن مرفوعة فوضعها، وكان معناه: أنها خلقت موضوعة. وقال يوسف - عليه السلام -: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللّه}، ولم يسبق منه دخول في دين أُولَئِكَ؛ فيكون تاركا له بعدما دخل فيه. وقال اللّه تعالى: {اللّه وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}، ولم يقتضِ قوله: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} كونهم في الظلمات، ولا اقتضى قوله: {يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} كونهم في النور، فيخرجهم منه، وإن كان في الظاهر يؤدي ذلك؛ فعلى ذلك قوله: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} وإن كان في الظاهر يقتضي حيلولة ومنعا، فليس في الحقيقة إثبات منع. ويذكر غير هذا في سورة المدثر. ثم قوله: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} معناه: لا تجازهم بصنيعهم، ولا تستعجل عليهم بالدعاء؛ بل أمهلهم قليلا {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّه}. وقيل في الفرق بين النِّعَمة والنَّعْمَةِ: إن النَّعْمَة ما يعطى للعبد إرادة استدراجه فيها وهلاكه، كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ}، والنعم هي منة اللّه تعالى على عباده؛ تفضلا عليهم، كقوله، {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}، واللّه أعلم. | 
﴿ ١١ ﴾