٤

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤):

فمنهم من حمل هذه الآية على الابتداء، وزعم أنه ليس فيها جواب لما يقتضيه قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ}.

ومنهم من ذكر أن قوله: {بَلَى}، جواب لقوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ}، فاكتفى بقوله: {بَلَى} بما سبق منه من الدلالات والحجج على القول بالبعث؛ فاقتصر على قوله: {بَلَى} على الوصل بما تقدم من الدلالات.

ومنهم من جعل جوابه في قوله: {قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}، معنى تسوية البنان: هو الجعل من عظم واحد، مجموعا غير متفرق، مثل خف البعير، وحافر الدواب.

ووجه الاستدلال: أنهم أقروا بأن اللّه تعالى قادر على أن يسوي البنان؛ لما رأوا التسوية موجودة في الدواب، ثم الجمع بعد التفريق أظهر وجودا وأيسر فعلا من تسوية البنان؛ ألا ترى أن المرء في الشاهد قد يقدر على التأليف والجمع بين أشياء متفرقة، ويعجز عن تسوية البنان؛ فإذا كانت التسوية أعسر وجودا من الجمع بعد التفريق، ثم وصفوا اللّه تعالى بالقدرة على تسوية البنان، فكيف أنكروا قدرته على جمع العظام بعد تفريقها؟ تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرا!!.

ومنهم من يقول بأن اللّه تعالى لما لم يسو بين بنان الإنسان، وسوى بين بنان الدواب؛ ليصل إلى الأخذ والإعطاء، وإلى التقديم والتأخير، والقبض والبسط، وأنواع المنافع التي

خص بها من نحو ما يملكون بالبنان تسخير الدواب والأنعام؛ فعلم بالتفريق بين الدواب وبينهم أن البشر هم المقصودون بالمحنة، وألا يتركهم سدى، لا يأمرهم، ولا ينهاهم، ولا يستأديهم شكر ما أنعم اللّه عليهم؛ وقد ائتمر البعض وعصى البعض؛ فلا بد من دار أخرى للمجازاة؛ فالنظر في هذا يحمله على القول بالبعث والجزاء.

ولأن الاستواء يقع في الابتداء، والجمع بعد التفريق يكون عند الإعادة، والعقول تشهد على أن أمر الإعادة أيسر من أمر الابتداء، فإذا لم يتعذر عليه الاستواء في الابتداء؛ فأنى يعسر عليه إعادة الجمع مع قدرته على الجمع في الابتداء؟

ولأنهم لما لم يخلقوا مستوية البنان، فليعلموا أن في ترك الاستواء حكمة، ولو كان الأمر على ما قدروا أن لا بعث لكان ذلك يخرج عن حد الحكمة؛ فيكون فيما ذكر تثبيت البعث والقول بالقدرة على جمع العظام بعد تفرقها، وتفتتها، واللّه أعلم.

﴿ ٤