٥وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (٥): قال أهل التفسير: يؤخر التوبة، ويقدم المعصية، ويقول: " سوف أتوب "، فيأتيه الموت على شر حاله. وعندنا يخرج على وجهين: أحدهما: جائز أن يكون ذكر الإرادة لا على تحقيقها؛ ولكن من فعل شيئا فعله على الإرادة والاختيار، فكنى بالإرادة عن الفعل، لأنها تقترن بالفعل؛ فيكون في ذكرها ذكر الفعل، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ولم يظن أحد من الكفرة أن السماء والأرض خلقتا باطلًا، ولكن خلقهما خرج على الحكمة بالبعث والجزاء، ففي ترك القول بالبعث وصف بأن خلقهما للعب والباطل، ويؤدي إلى هذا؛ فيصير كأنهم قالوا ذلك، وظنوا كذلك؛ فعلى هذا يحمل الأمر على الظن، لا أن وجد منهم الظن في الحقيقة؛ فكذلك إذا فعلوا فعل الفجور، وكان فعلهم على الإرادة والاختيار؛ فكأنهم أرادوا أن يفجروا أمامهم، لا أن كانت الإرادة منهم متحققة لذلك مقصودا. وجائز أن يكون ذلك على تحقيق الإرادة، وذلك أن للشر والفجور سبلا من سلكها أفضى به إلى أن يستحق اسم الفجور، وللخير والهدى سبلا من سلكها أفضى به الأمر إلى أن يستحق اسم البر والتقوى، فإنما صار إلى الفجور وإلى أنواع الشرور بسلوكه ذلك السبيل، وصار مريدا من هذه الجهة. ثم قوله: {أَمَامَهُ}، يحتمل وجهين: أحدهما: فيما بقي من عمره؛ لأنه يترك الاستهداء والاسترشاد، ويمضي على العادة التي عود نفسه على ذلك من الشرور والضلال. ويحتمل أن يكون الأمام هو يوم القيامة، ثم قال في موضع: {وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا}، بعد ذكر ذلك اليوم بالأمام والوراء جميعا؛ فيكون قوله: {وَرَاءَهُمْ}، أي: وراء الأوقات التي خلت ومضت؛ فعلى اعتبار الإضافة إلى الأوقات الماضية يكون يوم القيامة وراءها، وعلى اعتبار الإضافة إلى ذلك الفاجر يكون أماما؛ لأنه يكون أمام هذا الفاجر؛ فكذلك استقام الوصف بالأمام والوراء جميعا. ثم ذكر الفجور، ولم يذكر الكفر وإن كان الإنسان الذي يريد أن يفجر أمامه كافرًا؛ لأن في ذكر الفجور تعييرًا وتشيينًا؛ إذ هو اسم للتعيير خاصة، وليس في نفس الكفر تعيير؛ إذ كل أحد -مؤمنا كان أو كافرا- مؤمن بشيء كافر بشيء، فالكافر من حيث اسمه لم يصر قبيحا؛ بل بمعناه ما قبح؛ فكان الفجور أبلغ في التعيير من الكفر؛ فسمي به، واللّه أعلم. وقال أبو بكر: معنى قوله: {يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}، أي: يريد أن يعاين يوم القيامة، ويعلم به أنه متى هو؟ تفسيره على أثره. |
﴿ ٥ ﴾