سُورَةُ الانْفِطَارِوهي مَكِّيَّة بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} قد ذكرنا أن هذا جواب عن سؤال تقدم، لم يبين السؤال عند ذكر الجواب؛ لأن {إِذَا} جواب عن سؤال " متى "؟ فجائز أن يكون سؤالهم ما ذكر في إتمام الجواب، وهو قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} فكأن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سئل: متى تعلم النفس ما قدمت وأخرت؟ فنزل قوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} الآية إلى آخرها. ثم ذكر الانفطار هاهنا وهو الشق، وذكر الفتح في موضع آخر، وهو قوله - تعالى -: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا}، وقال في موضع آخر: و {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}، و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، فمنهم من ذكر أن شقها وانفطارها أن تفتح أبوابها. ومنهم من حمله على الشق الذي يعرف من شق الأشياء، وهذا أقرب؛ لأن الآية في موضع التخويف والتهويل، وليس في فتح أبوابها تخويف، وإنما التخويف في انشقاقها بنفسها. ثم السؤال عن ملاقاة الأعمال وعن علم الأنفس بها سؤال عن الساعة، وفي ذكر انفطار السماء، وانتثار الكواكب، وتفجير البحار، وتسيير الجبال، وجعل الأرض قاعا صفصفا، وصفُ أحوال الساعة وآثارها، وليس فيه إشارة إلى وقت كونها؛ لأنه ليس في التوقف على حقيقة وقتها تخويف وتهويل، وفي ذكر آثارها تخويف، وهو أنه عظم هول ذلك اليوم، واشتد حتى لا تقوم له الأشياء القوية العلية في أنفسها، وهي الجبال، والسماوات والأرضون، بل يؤثر فيها هذا التأثير، حتى تصير الجبال كالعهن المنفوش، وتصير كثيبا مهيلا، وتنشق السماء، وتصير الأرض قاعا صفصفًا، فكيف يقوم لها الإنسان الضعيف المهين؟!. أو إذا كانت السماوات والأرضون والجبال مع طواعيتها لربها لا تقوم لها وأفزاعها بل تتقطع، فكيف يقوم لها الآدمي الضعيف مع خبث عمله، وكثرة مساوئه مع ربه؟!. فيذكرهم هذه الأحوال؛ ليخافوه، ويهابوه؛ فيستعدوا له؛ فلهذا - واللّه أعلم - ذكرت الأحوال التي عليها حال ذلك اليوم، ولم يبين متى وقته؛ ولهذا ما لم يبين منتهى عمر الإنسان؛ ليكون أبدا على خوف ووجل من حلول الموت به؛ فيأخذ أهبته، ويشمر له، ولو بين له كان يقع له الأمن بذلك؛ فيترك التزود إلى دنو ذلك الوقت، ثم يتأهب له إذا دنا انقضاء عمره. ثم إن اللّه - تعالى - ذكر أحوال القيامة في غير موضع، وجعل ذلك مترادفا متتابعا في القرآن؛ فيكون في ذلك معنيان: أحدهما: أن للقلوب تغيرًا وتقلبا في أوقات، فرب قلب لا يلين لحادثة أول مرة حتى يعاد عليه ذكرها مرة بعد مرة، وحالا بعد حال، ثم تلين؛ فيكون في تتابع ذكر البعث والقيامة مرة بعد مرة إبلاع في النذارة وقطع عذر المعتذرين يوم القيامة. والثاني: أن القوم كانوا حديثي العهد بالإسلام، وقد وقع الإسلام في قلوبهم موقعا؛ فيكون في تكرار المواعظ تلقيح لعقولهم، وتليين لقلوبهم على ما أكرمهم اللّه - نعالى - من الإيمان، ونصرة رسول رب العالمين؛ كقوله: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}. |
﴿ ١ ﴾