٤

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤) اختلف في تأويله:

فمنهم من صرفه إلى المعَذَّبين.

ومنهم من صرفه إلى المعَذِّبين.

فمن صرف إلى المعَذِّبين حمل قوله: {قُتِلَ} على اللعن؛ أي: لعنوا؛ كقوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}، أي: لعنوا.

ومن صرفه إلى الذين عذبوا، حمله على القتل المعروف.

ثم اختلف في قصة أُولَئِكَ الذين عذبوا؛ فإن كان القسم في الكفرة، فما ينبغي أن يفسر على وجه من ذلك ما لم يتواتر فيه الخبر عن المصطفى عليه الصلاة والسلام، بل حقه أن يقتصر على ما جاء به الكتاب؛ لأن هذه الأنباء حجة لرسالة نبيه - عليه السلام - لأنهم وجدوها مواققة للأنباء المذكورة في كتبهم، وقد علموا أنه لم يصل إلى تعرفها إلا باللّه تعالى؛ إذ لم يروه يختلف إلى من عنده علم الأنباء؛ ليصل إلى معرفتها بهم، فإذا فسرت على وجه أمكن أن يقع فيها زيادة أو نقصان على ما ذكر في الكتاب؛ فيجدوا به موضع الطعن والقدح؛ لذلك لم يسع أن يزاد على القدر الذي جرى ذكره في الكتاب إلا من الوجه الذي ذكرنا.

وإِن كان القسم في المؤمنين، وسع القول بحمل التأويلات التي ذكرها أصحاب التفسير؛ لارتفاع المعنى الذي ذكرنا في الكفرة، واللّه أعلم.

ثم في ذكر هذه الأنباء تقرير رسالته ونبوته - عليه السلام - عند الكفرة؛ لما ذكرنا

أنه لم يختلف، إلى من عنده علم هذه الأنباء؛ ليعلم بها، فإذا أنبأهم بها على وجهها، تيقنوا أنه باللّه تعالى علم.

وفيه تصبير لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وتخفيف الأمر عليه؛ لأنه يخبره أن قومك ليسوا بأول من آذوك وعاندوك، بل لم يزل سلفهم تلك عادتهم بأهل الإسلام.

وفائدة أخرى: ما ذكرنا أن في ذكره بعض ما يستعين به من ابتلي بأذى الكفرة.

وفيه أن أُولَئِكَ الكفرة بلغ من ضنهم بدينهم ما يقاتلون عليه من أظهر مخالفتهم في الدِّين؛ ليعلموا أن القتال لمكان الدِّين ليس بأمر شاق خارج من الطباع؛ بل الطباع جبلت على القتال مع من عاداهم في الدِّين؛ فيكون فيه ترغيب للمسلمين على القتال مع الكفرة إذا امتحنوا به، واللّه أعلم.

﴿ ٤