| ٩-١٠وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠): فموقع ما تقدم من القسم بالشمس والقمر والليل والنهار على هذا، فقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} في الآخرة {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} في الآخرة؛ فيكون هذا منصرفا إلى الجزاء في الآخرة؛ على ما يذكر في قوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}؛ فيكون في هذا إيجاب القول بالبعث من الوجه الذي نذكره، إن شاء اللّه تعالى. ثم اختلفوا في تأويل الفلاح: قَالَ بَعْضُهُمْ: أفلح، أي: سعد. ومنهم من يقول: أي: بقي في الخيرات، والفلاح: البقاء. ومنهم من يقول: أفلح، أي: فاز، والمفلح في الجملة هو الذي يظفر بما يأمل، وينجو عما يحذر؛ فيدخل في ذلك السعادة والبقاء والفوز. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {مَنْ زَكَّاهَا}: جائز أن يكون منصرفا إلى اللّه تعالى. وجائز أن ينصرف إلى العبد، قال اللّه - تعالى -: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللّه يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}، وقال - تعالى -: {قُلْ بِفَضْلِ اللّه وَبِرَحْمَتِهِ. . .}، فبين اللّه - تعالى - أنه هو الذي تفضل بتزكية من زكا. وجائز أن يصرف إلى العبد؛ فيكون قوله: {زَكَّاهَا}، أي: صاحبها، وكذلك قوله: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} يحتمل هذين الوجهين؛ فيكون اللّه - تعالى - هو الذي أنشأ فعل الضلال؛ فيكون الفعل من حيث الإنشاء من اللّه تعالى، ومن حيث العمل من العبد. ثم قوله: {مَنْ دَسَّاهَا}، أي: أخفاها، وإخفاؤها: أنه صيرها بحيث لا تذكر في المحافل إلا بالذم، وزكى الأخرى، أي: أظهرها حتى ينظر إليها الناس بعين التبجيل والتعظيم. وهكذا شأن المتقي أن يكون مبجلا معظما فيما بين الخلق، والفاجر يعيش مذموما مهانا فيما بين الخلق. أو يرجع الإظهار والإخفاء إلى الآخرة: فيجلّ قدر المتقي المزكي، ويخمل ذكر الفاجر. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {دَسَّاهَا} من " دسَّسْت "، فأسقط السين، وأبدل مكانها الياء. ثم الإضافة في قوله: {دَسَّاهَا} إلى اللّه - تعالى - على خلق ذلك الفعل منه، وفي قوله: {مَن زكَّاهَا} على التوفيق. | 
﴿ ١٠ ﴾