٦وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦): ما ذكر من الأحوال التي ذكر فيه من قوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى. وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} الآية، وقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}، ونحو ذلك من الأحوال التي ذكر فيه وهي في الظاهر أحوال تذكر للشين فيمن تقال فيه، لكن في ذكر ما ذكر فيه من الأحوال: ذكر بشارة لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالنصر له والعون؛ وآية له على رسالته ونبوته؛ لأن نفاذ القول وغلبة الأمر مع الأحوال التي ذكر - أعظم في الأعجوبة من نفاذه في حال السعة وحال قوة الأسباب وتأكيدها. أو أن يكون قوله: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩)، ونحوه، لأن أُولَئِكَ الكفرة كانوا ينسبونه إلى الافتراء والاختراع من ذات نفسه، فأخبر أن اليتيم والفقير ليس يبلغ في العلم والمعرفة المبلغ الذي يقدر على الاختراع وإنشاء الشيء من نفسه على وجه يعجز عن مثله جميع الخلق؛ لما لا يجد ما ينفق في ذلك، ويتحمل من المؤن حتى يبلغ مبلغ الاختراع، وكذلك ما ذكر حيث قال: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ. . .} الآية؛ لأنهم قالوا: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}، والبشر إنما يتعلمون بالكتابة والخط، فإذا لم يكن لرسول اللّه - عليه الصلاة والسلام - شيء من ذلك؛ دلَّ أنه باللّه - تعالى - عرف وحده. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}، أي: وجدك يتيما فآواك. ثم يحتمل قوله: {فَآوَى} وجوها: أحدها: وجدك يتيما فآواك إلى عمك حتى ربَّاك ودفع عنك كل أذى وآفة، وساق إليك كل خير وبر، إلى أن بلغت المبلغ الذي بلغت. والثاني: يقول: قد وجدك يتيما فآواك إلى عدو من أعدائك حتى تولى تربيك وبرك، وعطف عليك، وتولى عنك دفع المكروه والأذى، يذكر منته وعظيم نعمه عليه أنه كان ما ذكر، ثم صير عدوا من أعدائه أشفق الناس عليه وأعطف، واللّه أعلم. والثالث: قد وجدك يتيما فآواك إلى نفسه، وعطف عليك حتى اختصك واصطفاك للرسالة والنبوة؛ حتى صرت مذكورا في الدنيا والآخرة، وحتى أحوج جميع الناس إليك، وليس ذلك من أمر اليتيم أنه يبلغ شأنه وأمره إلى ما بلغ من أمرك وشأنك حتى صرت مخصوصا من بين الناس جميعا، فيما ذكرنا من اختصاصه إياك بالرسالة، وأحوج جميع الناس إليك؛ يذكر عظيم مننه ونعمه عليه. |
﴿ ٦ ﴾