٣(وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣) يقول - واللّه أعلم - للمؤمنين: لا تظلموا اليتيم، ولا تمنعوا حقه، ولا تسيئوا صحبة اليتيم، كما فعل من كذب بالدِّين وحضوا على طعام المسكين؛ يصف بخلهم واستهانتهم باليتيم والمساكين، وسوء معاملتهم التي عاملوهم، يعظ المؤمنين ويزجرهم عن ذلك. وجائز أن يكون قوله: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}؛ لما عندهم أن من أعطي المال، ووسع عليه الدنيا إنما أعطي ذلك لكرامة له عند اللّه - تعالى - ومن ضيق عليه، ومع ذلك عنه؛ لهوان له عنده وحقارة؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ). وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللّه أَطْعَمَهُ. . .} الآية، يظنون أن اللّه - تعالى - منع من منع ذلك؛ لهوان له عنده، ومن وسع عليه، وسع لكرامة له عنده؛ فيقول: كيف أكرم من أهانه اللّه تعالى؛ فيحتمل أن يكون ما ذكر أنه لا يحض على طعام المسكين. ويحتمل أن يكون الذي حمله على ظلمه اليتيم، وتركه إطعامه تكذيبه بالبعث؛ لأنه ليس لليتيم من ينصره، ويقوم بدفع من يقصد ظلمه، ويمنع حقه، وكان لا يخاف عقوبة البعث؛ إذ لا يؤمن به. ثم يحتمل قوله: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ. . .) الآية؛ أن يكون في الاعتقاد والرؤية. ويحتمل أن يكون في حق الفعل نفسه؛ فإن كان في الاعتقاد والرؤية، فأهل الإسلام لا يعتقدون ذلك، وإن كان في حق الفعل فإنهم ربما يفعلون ذلك. وحمله عندنا على الاعتقاد أوجب وأقرب؛ لما وصفنا أن اليتيم لا ناصر له، وليس للكافر خوف العاقبة؛ لما لا يؤمن بذلك، وإنما يمتنع المرء في الغالب من سوء الصحبة؛ لهذين: إما رغبة في جزاء الآخرة، أو خوف المكافأة في الدنيا، والمساكين ليس لهم في الدنيا ما يكافئهم ويجازيهم، وليس لليتيم ناصر؛ ليخاف منه، ولم يكن للكافر رغبة في ثواب الآخرة، ولا خوف من العقاب؛ لعدم تصديقه بذلك. ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} هو النهاية في وصفه بالبخل؛ لأن الحث على الصدقة أن يرجيه ويطمعه في ثوابه، فإذا لم يرج هو نفسه، فكيف يرجي غيره؟ مع ما أن الحكمة عند هَؤُلَاءِ الكفرة أن من جر إلى نفسه نفعا فهو الحكيم، ومن ضر نفسه فهو جائر غير حكيم، وهو إذا منع الصدقة نفع نفسه، وإذا أوفى اليتيم حقه ضرها؛ فلذلك لا يرغب فيها؛ فهذا المعنى الذي وصفناه، دعانا إلى توجيه التأويل إلى الاعتقاد. |
﴿ ٣ ﴾