١٥قوله تعالى : { اللّه يَسْتَهْزئُ بِهِمْ } فيه خمسة أوجه : أحدها : معناه أنه يحاربهم على استهزائهم ، فسمي الجزاء باسم المجازى عليه ، كما قال تعالى : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْه بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } ، وليس الجزاء اعتداءً ، قال عمرو بن كلثوم : أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينا والثاني : أن معناه أنه يجازيهم جزاء المستهزئين . والثالث : أنه لما كان ما أظهره من أحكام إسلامهم في الدنيا ، خلاف ما أوجبه عليهم من عقاب الآخرة ، وكانوا فيه اغترار به ، صار كالاستهزاء [ بهم ] . والرابع : أنه لما حسن أن يقال للمنافق : { ذُقْ إِنًّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } " [ الدخان : ٤٩ ] ، صار القول كالاستهزاء به . والخامس : ما حكي : أنهم يُفْتَح لهم باب الجحيم ، فيرون أنهم يخرجون منها ، فيزدحمون للخروج ، فإذا انتهوا إلى الباب ضربهم الملائكة ، بمقامع النيران ، حتى يرجعوا ، وهاذ نوع من العذاب ، وإن كان كالاستهزاء . قوله عز وجل : { وَيَمُدُّهُمْ في طُغْيانِهم يَعْمَهُونَ } وفي يمدهم تأويلان : أحدهما : يملي لهم ، وهو قول ابن مسعود . والثاني : يزيدهم ، وهو قول مجاهد . يقال مددت وأمددت ، فحُكِيَ عن يونس أنه قال : مددت فيما كان من الشر ، وأمددت فيما كان من الخير ، وقال بعض الكوفيين : يقال : مددتُ فيما كانت زيادته منه ، كما يقال مَدّ النصر ، وأَمَدَّه نهر آخر ، وأمددت فيما حدثت زيادته من غيره ، كقولك أمْدَدْتُ الجيش بمددٍ ، وأمِد الجرح ، لأن المدة من غيره . { في طغيانهم } يعني تجاوزهم في الكفر ، والطغيان مجاوزة القدر ، يقال طغى الماء ، إذا جاوز قدره ، قال اللّه تعالى : { إنك لما طغى الماء حملناكم في الجارية } . [ الحاقة : ١١ ] . { يعمهون } في ثلاثة أقوال : أحدها : يترددون ، ومنه قول الشاعر : حيران يعمه في ضلالته مستورد بشرائع والثاني : معناه يتحيرون ، قال رؤية بن العجاج : ومهمه أطرافه في مهمه أعمى الهدى بالجاهلين العمه والثالث : يعمهون عن رشدهم ، فلا يبصرونه ، لأن من عمه عن الشيء كمن كمه عنه ، قال الأعشى : أراني قد عمهت وشاب رأسي وهذا اللعب شين للكبير |
﴿ ١٥ ﴾