٣٦

قوله عز وجل : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } .

قرأ حمزة وحده : { فَأَزَالَهُمَا } بمعنى نحَّاهُما من قولك : زُلْتُ عن المكان ، إذا تنحَّيْتَ عنه ، وقرأ الباقون : { فَأَزَلَّهُمَا } بالتشديد بمعنى استزلَّهما من الزلل ، وهو الخطأ ، سمي زلَلاً لأنه زوال عن الحقَّ ، وكذلك الزّلة زوال عن الحق ، وأصله الزوال .

والشيطان الذي أزلهما هو إبليس .

واختلف المفسرون ، هل خلص إليهما حتى باشرهما بالكلام وشافههما بالخطاب أم لا ؟ فقال عبد اللّه بن عباس ، ووهب بن منبه ، وأكثر المفسرين أنه خلص إليهما ، واستدلُّوا ب

قوله تعالى : { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } " [ الأعراف : ٢١ ] وقال محمد بن إسحاق : لم يخلص إليهما ، وإنما أوقع الشهوة في أنفسهما ، ووسوس لهما من غير مشاهدة ، ل

قوله تعالى : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ } " [ الأعراف : ٢٠ ] ، والأول أظهر وأشهر .

وقوله تعالى : { فَأَخْرجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } يعني إبليس ، سبب خروجهما ، لأنه دعاهما إلى ما أوجب خروجهما .

قوله عزَّ وجلَّ : { وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } .

الهُبوط بضم الهاء النزول ، وبفتحها موضع النزول ، وقال المفضل : الهبوط الخروج من البلدة ، وهو أيضاً دُخولها ، فهو من الأضداد ، وإذا كان الهبوط في الأصل هو النزول ، كان الدخُول إلى البلدة لسكناها نزولاً بها ، فصار هُبوطاً .

واختلفوا في المأمور بالهبوط ، على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه آدم ، وحواء ، وإبليس ، والحيَّةُ ، وهذا قول ابن عباس .

والثاني : أنه آدم وذريته ، وإبليس وذريته ، وهذا قول مجاهد .

والثالث : أنه آدم ، وحواء ، والمُوَسْوِسُ .

والعدو اسم يستعمل في الواحد ، والاثنين ، والجمع ، والمذكر ،

والمؤنث ، والعداوة مأخوذة من المجاوزة من قولك : لا يَعْدوَنَّكَ هذا الأمْرُ ، أيْ لا يُجاوِزَنَّكَ ، وعداهُ كذا ، أي جازوه ، فَسُمِّيَ عَدُوّاً لمجاوزةِ الحدِّ في مكروه صاحبه ، ومنه العَدْوُ بالقَدَم لمجاوزة المشْيِ ، وهذا إخبار لهم بالعداوة وتحذير لهم ، وليس بأمر ، لأن اللّه تعالى لا يأمر بالعداوة .

واخْتُلِفَ في الَّذينَ قِيلَ لهم : { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عدُوٌّ } ، على قولين :

أحدهما : أنهم الذين قيل هلم اهبطوا ، على ما ذكرنا من اختلاف المفسرين فيه .

والثاني : أنهم بنو آدم ، وبنو إبليس ، وهذا قول الحسن البصري .

قوله عز وجل : { وَلَكُمْ في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ } فيه تأويلان :

أحدهما : أن المستقر من الأرض موضع مقامهم عليها ، ل

قوله تعالى : { جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً } " [ غافر : ٦٤ ] ، وهذا قول أبي العالية .

والثاني : أنه موضع قبورهم منها ، وهذا قول السُّدِّيِّ .

قوله عز وجلَّ : { وَمَتَاعٌ إلى حينٍ } :

والمتاع كل ما اسْتُمْتِعَ به من المنافع ، ومنه سُمِّيَتْ متعة النكاح ، ومنه

قوله تعالى : { فَمَتِّعُوهُنَّ } " [ الأحزاب : ٤٩ ] ، أي ادفعوا إليْهِنَّ ما ينتفعْنَ به ، قال الشاعر :

وَكُلُّ غَضَارَةٍ لَكَ من حَبِيب

لها بِكَ ، أو لَهَوْتَ بِهِ ، مَتَاعُ

والحين : الوقت البعيد ، ف { حِينئِذٍ } تبعيد قولِكَ : { الآن } ، وفي المراد بالحين في هذا الموضع ثلاثة أقاويل :

أحدها : إلى الموت ، وهو قول ابن عباس والسُّدِّيِّ .

والثاني : إلى قيام الساعة ، وهو قول مجاهد .

والثالث : إلى أجلٍ ، وهو قول الربيع .

﴿ ٣٦