٤٥

قوله عز وجل : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ } :

أما الصبر : فهو حبس النفس عما تُنازع إليه ، ومنه صبر صاحب المصيبة ، أن يحبس نفسه عن الجزع ، وسُمِّي الصوم صبراً لحبس النفس عن الطعام والشراب ، ولذلك سُمِّي شهرُ رمضانَ شهر الصبرِ ، وجاء في الحديث : { اقْتُلُوا الْقَاتِلَ ، وَاصْبِرُوا الصَّابِرَ } وذلك فيمن أمسك رجلاً حتى قتله آخر ، فأمر بقتل القاتل ، وحبس الممسك .

وفي الصبر المأمور به ، قولان :

أحدهما : أنه الصبرُ على طاعته ، والكف عن معصيته .

والثاني : أنه الصوم ، وقد كان النبيُّ ( صلى اللّه عليه وسلم ) إذا حَزَبَهُ أمرٌ استعان بالصلاة والصيام ، ورُويَ أنه رأى سلمان منبطحاً على وجهه ، فقال له : أشكو من بردٍ . قال : { قم فصلِّ الصلاة تُشْفَ }. وأما

قوله تعالى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ على الْخَاشِعِينَ } ففيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : يعني : وإن الصلاة لثقيلة إلا على المؤمنين ، لعود الكناية إلى مؤنثِ اللفظِ .

والثاني : يعني الصبر والصلاة ، فأرادهما ، وإن عادت الكناية إلى الصلاة ؛ لأنها أقرب مذكور ، كما قال الشاعِرُ :

فَمَنْ يَكُ أَمْسَى في الْمَدِينَةِ رَحْلُهُ

فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ

والثالث : وإن إجابة محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) لشديدة إلا على الخاشعين .

والخشوع في اللّه : التواضع ، ونظيره الخضوع ، وقيل : إن الخضوع في البدن ، والخشوعَ في الصوت ، والبصر .

قوله تعالى : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو ربِّهِمْ } فيه تأويلان :

أحدهما : يظنون أنهم ملاقو ربهم بذنوبهم ، لإشفاقهم من المعاصي التي كانت منهم .

والثاني : وهو قول الجمهور : أن الظن ها هنا اليقين ، فكأنه قال : الذين يَتَيَقَّنُون أنهم ملاقو ربهم ، وكذلك

قوله تعالى : { إِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّي مُلاَقٍ حسَابِيَهْ } أي تيقَّنت ، قال أبو داود :

رُبَّ هَمٍّ فَرَّجْتَهُ بِغَرِيمٍ

وَغُيوبٍ كَشَفْتَهَا بِظُنُونِ

﴿ ٤٥